التوحيد العلمي والعملي
قال فضيلة الشيخ العلامة عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس رحمه الله :
(( لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولا ))
التوحيد العلمي
هذا هو أساس الدين كله ، وهو الأصل الذي لا …
مقتطفات من السيرة النبوية
صفحة 1 من اصل 1
مقتطفات من السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد:
فإني أحمد الله تعالى الذي جمعنا في هذا المجلس المبارك ، إن شاء الله. و أسأله جل و علا أن يرزقنا جميعا العلم النافع و العمل الصالح.
إن خير ما عُمِرَت به المجالس بعد كتاب الله تبارك و تعالى ذِكرُ أخبار النبي المصطفى و ذلك أن الله أنعم علينا بنعمة كبرى و هي بعثة هذا النبي.
و قد امتن الله بهذه النعمة وز ذكر عباده بها في كتابه الحكيم.
قال الله ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).
نعم. لقد كان الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في ضلال مبين.
أما العرب فإن الله قد هداهم إلى الملّة الحنيفية على يد الخليل ابراهيم عليه صلاة الله و سلامه ، وذلك أن الله أمره أولا أن يذهب بذلك الإبن الذي رُزِقه على كبر سنه كما قال ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل و إسحاق )
فأمره الله ، ابتلاء منه و امتحانا لهذا العبد المؤمن الموحّد، أمره أن يذهب بهذا الإبن و أمه إلى ذلك الوادي الذي ليس به أي أحد. فذهب بهذا الولد اسماعيل و أمه و وضعهما هناك. و ترك عندهما شيئا من الطعام و الشراب ثم ولّى. فلحقته أم اسماعيل و هي تناديه ( يا ابراهيم إلى من تتركنا ) و هو لا يلتفت. فقالت له ( أالله أمرك بذلك ؟ ) قال نعم. قلت ( إذن لا يضيعنا ).
فلما ابتعد عنهم قليلا أدركته الرحمة و الشفقة ( رحمة الوالد بولده ) فدعا ربه لأهل هذا البلد و لذريته ( ربي إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم و ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).
فمكث اغسماعيل و أمه هاجر هناك ما شاء الله حتى نفذ ما عندهما من طعام و شراب. و خشيت الأم على ولدها من الهلاك. فنظرت إلى الصفا فصعدت في الصفا ، هل من أحد هل من مغيث؟ فلم ترى أحدا . ثم هرولت و سعت سعي الإنسان إلى المروة. فعلت ذلك سبع مرات. فعند ذلك أدركتها رحمة الله، فأرسل إليهم الملك فضرب الأرض عند قدمي اسماعيل فتفجّرت عين زمزم ) فصارت أم اسماعيل تحوقّها....
يقول النبي ( يرحم الله أم اسماعيل ، لو تركت زمزم كانت عينا معينا ). فمرّب بها قبيلة جُرهُم و استأذنوها في أن يقيموا عندها ، و كانت تحب الأنس. فأذنت لهم على أن لا يكون لهم حق في هذا الماء. فنما هو حق لهذا الولد و لذريته.
فلما تقدمت السن باسماعيل عليه السلام أَعجَبَ قبيلة جرهم فزوجوه امرأة منهم. فجاء ابراهيم الى ابنه يتفقد حاله و ينظر في تركته، فقابلته امرأة اسماعيل فسألها ابراهيم عن حالها و حال زوجها و كان قد خرج يصيد لهم. فقالت ( نحن في شر و في ضر ) و لم تثني على الله خيرا و لم تسكن لزوجها. فقال لها ابراهيم ( إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و مريه أن يغير عتبة بابه ). فلما أخبرت اسماعيل قال ( ذاك أبي و قد أمرني أن أطلقك ، الحقي بأهلك ). ثم تزوج امرأة أخرى فجاء ابراهيم ، فتحت له فسألها عن اسماعيل. قالت ( ذهب يصيد لنا ). سألها عن حالها فأثنت على الله خيرا و شكرت لزوجها. قال ( ما طعامكم ؟ ) قالت ( الماء و اللحم ). فدعا لأهل ذلك البلد في الماء و اللحم أن يبارك الله لهم فيه.
ثم قال ( أبلغيه السلام و مريه أن يثبت عتبة بابه ). قال ذاك أبي و قد أمرني أن أمسكك، أي أن أثبتك عندي.
ثم جاء ابراهيم بعد حين فلقي اسماعيل و صنع كما يصنع الوالد و الولد اذا التقيا بعد حين. قال ابراهيم ( يا بني إن الله قد أمرني بأمر ) قال ( أطع ربك ). قال ( و تعينني ؟ ) قال ( نعم ). قال ( أمرني أن أبني هاهنا بيتا ). فشرعا في بناء البيت و هما في دعاء و لجوء و تضرع إلى الله. قال الله ( و إذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ). فما رفع القواعد من البيت جيء بهذا الحجر الأسود الذي نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن أو من الثلج. كما ورد في الحديث ، فسوّدته خطايا بني آدم كما قال رسول الله. و وضعه ابراهيم في مكانه ثم أمره الله أن ينادي في الناس أن أَذِّن إن لله بيتا فحجوا ( و إذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ).
يروى أن ابراهيم قال ( و من يبلّغ عني ؟ ) قيل ( أذّن و علينا البلاغ. ). فأذن في الناس فأقبلت وفود الحجيج من كل مكان. و دعاهم ابراهيم إلى توحيد رب العالمين و عُمِرت تلك العرصات بتوحيد الله.
بقي الناس ما شاء الله على ملّة ابراهيم ، على الحنيفية ، على التوحيد ، على السنّة. حتى قل العلم و فشا الجهل
و تغلّبت قبيلة خزاعة على الحرم. و كان مقدَمُّهم و رئيسهم و عالمهم رجل يقال له عمر بن لحيّ الخزاعي و هو الذي غيّر دين ابراهيم كما أخبر رسول الله. هذا الرجل ذهب إلى الشام و رأى عبادة الأصنام فأعجبه ذلك و كانوا يعبدونها باسم محبة الأولياء و الصالحين و أنها رموز لهم و أنهم إذا توجهوا إلى هؤلاء الصالحين و هم مقربون عند الله رفعوا حاجاتهم إلى علاّم الغيوب. و نسوا أن الله قريب ممن دعاه كما قال ( و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) كان لعمر بن لحي رَإِيٌّ من الجن فقال له يوما ( يا عمر بن لحي إيتي جُدَّة تجد بها أصناما مُعَدَّة و ادعوا العرب إلى عبادتها فإنك إذن .... ) فذهب إلى البحر و استخرج الأصنام التي جرفها الطوفا كما ذكر أهل التاريخ - ود و سواغ و يغوث و يعوق و نسر - فلما اجتمعت العرب في موسم الحج دعاهم إلى عبادتها و زين لهم ذلك. فأطاعوه لجهلهم و ظنهم أنه أعلم منهم بدينهم. و انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب حتى إن رسول الله لما دخل مكة كان حول الكعبة 360 صنما يعبدونها من دون الله. و غيّروا ملة ابراهيم و ابتدعوا في الدين فحرموا ما حرّموا من بهيمة الأنعام كما قال الله ( ما جعل الله من بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و حام ). و قتلوا النفس التي حرّم الله ( و إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ، ( و إذا بشر أحدهم بالأنثى ضل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ).
كانوا يحجون في الجاهلية أي ان عندهم شيئا ( بقايا من دين ابراهيم ) فكانوا يقفون بعرفات و المزدلفة و منى و يرمون الجمار و ينحرون و يعتقون ، لكنهم أحدثوا في هذا. مما أحدثته قريشا أنهم كانوا في يوم عرفة لا يقفون مع الناس بعرفة و يقولون ( نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه ، إنما نقف بالمزدلفة لأنها من الحرم و عرفة من الحل ) و قد كان رسول الله قبل الهجرة إذا حج يقف بعرفات على سنة أبيه ابراهيم.
كانوا ف5ي الجاهلية إذا طافوا بالبيت الحرام يلبون و يقولون ( لبيك لا شريك لك ) و يقول النبي ( قد قد ) أي حسبكم أن لا تزيدوا شركا فيزيدون ( إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك ).
كانوا في الجاهلية يطوفون بالبيت الحرام. يطوفون عراة .إذا لم يعرهم أحد من أهل مكة ثوبا أو لم يشتروا ثوبا يلقون ثيابهم و يطوفون بالبيت عراة و يقولون ( لا نطوف ببيت الله بثياب عصينا الله فيها) حتى إن المرأة في الجاهلية كانت تطوف بالبيت عريانة و تقول ( اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدى منه فلا أحلّه ) فأنكر الله عليهم ذلك ( و إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا و الله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ).
هذا ما يتعلق بالعرب ، غيروا دين ابراهيم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم . ففشى فيهم الظلم و الجهل و الشرك بالله و الإبتداع في الدين.
كذلك أهل الكتاب و هم اليهود و النصارى ، و في الحديث أن اللله نظر إلى أهل الأرض فمقنهم عربهم و عجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب. بقي منهم أناس على الملة الحنيفية و هي توحيد الله. أما أكثرهم فقد حرّفوا دينهم و بدلوه و غيروه.
أما اليهود فقد أخبر الله عنهم أنهم عبدوا غير الله ( و قالت اليهود عزير ابن الله ) و كتموا ماجاءهم من البينات كما سيأتي.
و النصارى اختلفوا في معبودهم، فمنهم من يقول إن الله هو المسيح ابن مريم كما قال الله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ). و منهم من يقول إن الله هو ثالث ثلاثة ، قال الله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )
و منهم من يقول إن المسيح هو ابن الله ، قال الله ( و قالت النصارى المسيح ابن الله ).
هذا حال الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم . و كان الناس قبل البعثة ينتظرون هذا النبي الخاتم الذي بشّرت به الأنبياء.
ما من نبي بعثه الله إلا و أخذ عليه العهد لئن بُعِثَ محمد فليؤمنن به و لينصرنّه. قال تعالى ( و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه ).
و كانت الأنبياء تخبر عن صفته صلى الله عليه وسلم و عن بلده و مهاجرته و اسمه. ها هو المسيح ينادي في بني اسرائيل و يعلن و يعلم و يخبر و يبشر بمبعث هذا النبي ( و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) ، ( النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر ).
كانت اليهود في المدينة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم إذا حصل بينهم و بين المشركين من العرب- أو الأميين كما يسمونهم - شيء استنصر اليهود ببعثته صلى الله عليه وسلم و استفتحوا و قالوا ( قد أَزِفَ زمان نبي يُبعث نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد و ثمود ) فلما بُعِث النبي و كانت الأنصار تصنع ذلك من اليهود قالوا ( لا تسبقنكم يهود إلى هذا النبي الخاتم. آمنوا به ) فآمن الأنصار و كفرت اليهود بغيا و حسدا ( و كانوا من قبل يستفتحون على الذي كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) ، ( فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) يعلمون صفته صلى الله عليه وسلم و بلده.
ذكر كعب الأحبار شيئا مما قرأة في التوراة ( هو عالم من علمائهم ) ، ثبت عنه أنه قال ( إني لأجد صفة النبي في التوراة ، ليس بفظ و لا غليظ و لا سخام في الأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يجزي بالسيئة الحسنة ) ثم قال ( مولده بمكة و مهاجره و مطابه و ملكه بالشام ). كل هذا تحقق كما هو موجود في التوراة و قد حرّفها و كتم ذلك أهل الكتاب.
الحديث الذي رواه أحمد في مسنده أن النبي و أبا بكر وعمر مرّوا على يهودي قد مسك التوراة يقرأ فيها و يتعزّى لابن له في سياق الموت فسأله النبي فقال (أنشدك بالله هل تعلم صفتي في كتابك ؟ ) قال ( لا نعلم ) فتكلّم ابنه فقال ( أي و الله إننا لنجد صفتك في كتابنا و إنك للنبي الخاتم . أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ) فأمر النبي أصحابه أن يتولو تغسيل هذا المسلم الذي أنقذه الله برسول الله و أن يتولوا كفنه و الصلاة عليه.
يقول سلمة ابن سلامة ابن ورش الأنصاري البدري رضي الله عنه و أرضاه ( كنا أهل الجاهلية نعبد الأوثان فوقف علينا يهودي يعضنا و يذكّرنا فذكر الجنة و النار و الصراط و الحساب و الميزان ، فقلنا ( يا فلان ذلك كائن ؟ ) قال (نعم و تمنيت لو أني أوضع في أعظم تنور في الدنيا و أن ذلك حظي من نار الآخرة ). قالوا ( و ما علامة ذلك ؟ ) قال ( نبي يُبعثُ من هاهنا . من مكة او اليمن ). قالوا ( ومتى ؟ ) قال ( إن يبلغ هذا الغلام يُدركه. و أشار إلي ) قال فبُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم و آمنا به و كفر به ذلك اليهودي. فجئنا إليه و قلنا ( هذا الذي كنت تحدثنا به ) قال ( نعم ما حدثتكم به حق و لكن ليس هو النبي )، ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون ).
تقول صفية بنت عيي بن الأخضر رضي الله عنها و أرضاها ، أم المؤمنين وهي من نسل هارون أخو موسى عليهما الصلاة و السلام ، وقعت في السبي فأعتقها النبي و جعل عتقها صداقها فصارت من أمهات المؤمنين، حدّثن عن أخبار اليهود و حسدهم و بغيهم و عنادهم و مكابرتهم و ردّهم للحق ، تقول ( لما بُعث النبي و قدم إلى المدينة ذهب إليه أبي و عمي - أوب ياسر ابن الأخضر - ذهب من أوّل النّهار لينظر في حاله) قالت ( فجاء في آخر النهار مع الليل و لم يعبأ أبي و كانا لايقدّمان عليّ أحدا ، فسمعت أحدهما يقول للآخر هل رأيته؟ قال نعم. قال: أهو هو ؟ هو النبي الذي كنا ننتظر و جئنا من أجله؟ قال : نعم. قال: ما اظمرت له؟ قال: العداوة له.) نسأل الله السلامة و العافية. ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ) ، ( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء ). يتعجب المرء إذا سمع ذلك. هذه القلوب التي علمت الحق و ردّته. لماذا ؟ الله حكيم عليم ، الله أعلم بالشاكر من عباده و بمن يذل و يخضع و يطلب الحق و هو أعلم بالمستكبرين. قال تعالى مبينا شيئا من أسباب الطمس على قلوب هؤلاء ( فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ، ( سأصرف عن آياتي الذي يتكبرون في الأرض بغير الحق ) ، ( و كذلك نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة ) ، ( فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أنه يصيبهم ببعض ذنوبهم ) و لذلك يقول السلف الصالح رضي الله عنهم ( إذا جاءك الحق و تبين لك فإيّاك أن تردّه فيُخشى أن يُطمَسَ على قلبك أو يُطبع عليك )
و نحن في زمن كثُرت لافيه الفتن و كثرت فيه الشبهات و كثرت فيه الأهواء. و الناصحون المبينون للحق و لله الحمد و المنة
بين أظهرنا موجودون. إذا بلغنا الحق ينبغي أن تكون القلوب خاضعة لله طالبة للحق. إذا بلغها الحق قالت سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير.
سلمان الفارسي كان مجوسيا ثم رأى النصارى فأعجبهم حالهم و دينهم فدخل في دينهم ثم خرج من بلده يبحث عن أهل العلم من النصارى ، كلما مات عالم لحق بغيره ، آخرهم قال له سلمان ( إلى من ترشدني ، إلى من تدلّني بعد موتك ؟ ) قال ( لا أعلم أحدا على ما أنا عليه إلا أنه قد أزف زمان نبي آخر الزمان ، مهاجره إلى أرض بين حرّتين فإن أدركته فآمن به ) فوقع في الرّق رضي الله عنه و اشتراه يهودي من أهل المدينة. و انظر كيف أن المصائب و المحن تكون منحا.
فلما هاجر النبي إلى المدينة ذهب سلمان الفارسي ينظر و يتأمل في حال النبي فقد أخبره ذلك الراهب العالم من علماء النصارى عن صفة النبي. قال ( يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ، و بين كتفيه علامة النبوة و بيّنها له ). فجاء سلمان بصدقة فلم يأكل منها النبي . جاء بهديّة فأكل منها. رأى علامة و بقيت علامة ، فصار ينظر في جسده صلى الله عليه وسلم مراده فكشف له النبي عن خاتم النبوة فأقبل سلمان على رسول الله يقبلّه و يبكي و يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله. و أخبر النبي بقصّته و حاله و بحثه عن الحق.
كان الناس يبحثون عن هذا الهُدى الذي بين أيدينا ، عن هذه السنن ، عن ما أراده الله من عباده و بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم . كان الناس يبذلون الغالي و النفيس في سبيل ذلك .
زيد بن عمر بن نُفَيل كان في الجاهلية يُنكِر ما عليه أهل الشرك و الإبتداع في الدين و يقول ( لستم على ملة ابراهيم ).
ذهب إلى اليهود يسألهم ، ذهب إلى النصارى يسألهم فما أعجبه حالهم ، كلهم يدلون على ابراهيم.
قال ( اللهم اشهد أني على ملة ابراهيم لكني لا أعلمها ) و مات على ذلك.
كذلك ورقة بن نوفل رحمه الله تنصّر في الجاهلية بعد أن بحث عن الحق و سأل عنه و لما بُعِث النبي قال ( إن يُدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ) فلم يلبث ورقة أن توفي رحمه الله و غفر له.
رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ).
ثم بعث الله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم و الناس في شوق لمبعثه و أهل الأرض يرجون ذلك.
و أذن الله بالفرج على يدي هذا النبي الخاتم. فبعثه الله و جاءه الوحي ( إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ و ربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم ).
و كان ى صلى الله عليه وسلم يتحنّث في غار حراء. هذا الغار كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد الهجرة ، بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ما كان يذهب إلى هذا الغار لا هو و لا أصحابه لزيارته أبدا. ليس من شعائر الدّين. رجع النبي إلى خديجة و أخبرها بحاله ، ترجف بوادره ، لا يدري ما الذي جرى له. قال ( خشيت على نفسي ) فذهبت به خديجة رضي الله عنها و أرضاها إلى ورقة بن نوفل لأنه عالم ، و هذا يدل على مسألة مهمة من مسائل الدين و هي ، إذا جرى لنا معاشر المؤمنين أمر من أمور الديم و أشكا علينا من نسأل ؟
نسأل أهل العلم العالمين بكتاب الله و سنة رسوله محمد. لا نسأل الجهلة و المجهولين و من لا يُعرف بعلم و لا بسنة إنما يُعرف بتهيج الناس و إثارة الفتن و المشاكل في بلاد المسلمين و تحريش الكفار عليهم و الزّج بالمسلمين في صراعات لا طاقة لهم بها ، من غير نظر في المصالح و المفاسد و في النهاية لا تجد لعملهم ثمرة ، فيصدرون الفتاوى و هم أصلا ليس أهلا للفتيا ، ثم بعد ذلك تتسرب عن طريق مواقع الإنترنت و بطرق أخرى مشهورة .
ديننا واضح و بيّن و لله الحمد و المنة ، ليس فيه خفاء ( فسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) تحضرني حادثة عجيبة وقعت متعلقة بهذه المسألة و فعل خديجة رضي الله عنها لما ذهبت به إلى ورقة و قالت ( اسمع من ابن أخيك ) فحكى له النبي فقال ( هذا الناموس الذي كان يأتي موسى - يعني الوحي- يا ليتني أكون جدع إذ يخرجك قومك )
أنظر إلى علم هذا الرجل. قال النبي ( أوما مخرجي ؟ ) أنا ابن عبد المطلب أُخرَج من مكة !! قال ورقة ( لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي ) و وقع كما أخبر ورقة رحمه الله و غفر له.و أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادثة التي تحضرني و متعلقة بهذه المسألة المهمة من مسائل الدين و هي الرجوع لأهل العلم و قعت في زمن الإمام أحمد
بن حنبل رحمه الله و غفر له. روى الخلاّل في كتابه السنّة و رواها غيره ، مشهورة ، تبين لك بجلاء ما عليه أهل السنة و الجماعة .
في زمن الإمام أحمد تسلّط الخليفة المأمون و المعتصم على أهل السنّة خاصة المعتصم رحمه الله و غفر له فإنه قد اعتنق عقيدة تخالف عقيدة أهل السنة و الجماعة فيما يتعلق بالأسماء و الصفات. و أراد أن يُجبر أهل السنة على ذلك.
فكان يجلد و يسجن و يهدّد و يتوعد ثم أمر بإحضار الإمام أحمد ، قالوا له ( ما بقي إلا أحمد ابن حنبل إن أطاعك أطاعك الناس ) فجيئ بالإمام أحمد إلى مجلس الخليفة المعتصم .و قد حضر القوات و الأمراء و وجهاء البلد في مجلس عظيم.
فوُفّق الإمام أحمد و السيوف قد رُفِعت و الجلاّد قد حضر ، فقال له الخليفة ( يا أحمد أطعني و أجعلك من حاشيتي )
قال ( يا أمير المؤمنين ائتوا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله ) فأمر الخليف المعتصم من عنده من علماء المعتزلة ( ابن أبي دؤاد رأس الفتنة و من معه ) فناظروا الإمام أحمد ثلاثة أيام ، يقول بعض من حضر ( و الله ما رأينا مثل احمد ابن حنبل، لم يتلعثم و كان لا يعرف مجالس الملوك ) لكن الله ثبّته فخاصمهم في هذه الأيام الثلاثة. فعند ذلك غضب الخليفة غضبا شديدا و ابن أبي دؤاد يقول له ( يا أمير المؤمنين أقتله و دمه في رقبتي أقتله ).
فأمر الخليفة المعتصم بجلد الإمام أحمد. ( يا أحمد أطعني حتى لا يُسفك دمك ). فهذا الإمام أحمد رحمه الله.
لما جاء بعض الناس قالوا له ( يا أحمد أطعه ) بمعنى أنك تتأول كما تأوّل غيرك فكانوا إذا أُخبروا يقولون كما يريد الخليفة المعتصم. كان يريد منهم أن يقرّوا بأن الله لم يتكلّم بالقرآن، و نحن أهل السنة نعتقد أن القرآن كلام الله و أن الله تكلّم به ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، (يريدون أن يبدلّوا كلام الله ) فكانوا يقولون من باب التخلص منه ( القرآن و الإنجيل و الزبور و التوراة كل هذه مخلوقة ) و يعني بها أصابعه.
الإمام أحمد لما قال له رجل قل مثلهم قال ( أخرج و انظر ). فخرج الرجل فإذا الناس قد اجتمعوا بايديهم الأقلام و معهم الصحف يكتبون ما يقول الإمام أحمد و يعتقدونه. قال أحمد ( أُظل هؤلاء. أقتل نفسي و لا أُظل هؤلاء )
أمر الخليفة المعتصم عند ذلك بجلد الإمام أحمد فجُلِد الإمام أحمد رحمه الله و الخليفة يقول للجلاّد ( أَوجِع قطع الله يدك ).
يقول ( ضربته ضربا لو وقع على جمل لهلك ) و سقط الإمام أحمد رحمه الله و قد أغمي عليه و وضعوا عليه حسيرا و داسوه بأقدامهم ثم حُمِل إلى السجن. مكث في السجن ما شاء الله ثم أُخرِج من السجن و نهاه الخليفة أن يحدّث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فامتثل الإمام أحمد . توفي الخليفة المعتصم و تولّى بعد الواثق فكان أشد من الخليفة المعتصم. كان يقتل على هذه الفتنة. يقتل من لم يجبه. عظمت الفتنة و البلاء و الكرب على أهل السنة. في ليلة من الليالي وقع ما لم يكن في الحسبان. أمر عظيم لولا لأن الله سلّم لكانت مذبحة عظيمة لأهل السنة يتحدث بها أهل التاريخ إلى يومنا هذا.
من الذي جرى ؟
طُرِقَ باب الإمام أحمد رحمه الله ففتح الباب في تلك الليلة. فدخل عليه فقهاء بغداد و أناس من أهل الغيرة على الدّين و من أهل الصلاح. دخلوا عند أحمد و تكلّموا فذكروا ظلم الخليفة الواثق و ما ابتدعه في هذه الفتنة و كيف أنه يعلّم الصبيان في المسجد هذه العقيدة الباطلة و كيف أنه يقتل أهل السنة و يؤذيهم و يسجنهم و يجلدهم و فعل و فعل و فعل.
و الإمام أحمد واحد ممن أوذوا. ثم قالوا بعد ذلك كلّه ( و لا نرضى بلإمارته و لا سلطانه )
يعني يريدون فتيا من الإمام أحمد. لماذا ؟ للخروج على الخليفة الواثق. حمل السلاح و يفدون العقيدة بدمائهم كما يقول بعض الناس.
ماذا كان جواب الإمام أحمد ؟ جواب عظيم يُكتب بماء الذهب و إن كان لا يجوز ذلك.
تكلّم بكلمات إِحفظوها ، تبيّن منهجكم يا أهل السنة في هذه الأمور العظيمة و هذه القضايا المهمة حتى لا يُغرّر بنا
و حتى لا يحصل التلبيس لعوام المسلمين فتقع الفتن في بلاد الإسلام و تُسفك الدّماء و تحدث الفوضى و يتقاتل الرّعية مع الرّاعي و يذهب الخير من بلاد المسلمين. كله بسبب أناس يُفتون و ليسوا أهل للفتيا. و لا ينظرون في مصالح المسلمين و لا في سنة رسول الله. ما جواب أحمد ؟
قال أحمد ( عليكم بالإنكار في قلوبكم و لا تخلعوا يدا من طاعة لا تشقّوا عصا المسلمين و لا تسفكوا دمائكم و دماء المسلمين معكم و انظروا في عاقبة أمركم و اصبروا حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر ) و قال ( لا أرى هذا صوابا هذا خلاف الآثار ).
الإمام أحمد ماجاء بهذا من عنده. جاء به من آثار النبي. يقول النبي كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن طريق حذيفة ( تسمع و تطيع للأمير و إن جلد ظهرك و أخذ مالك ) هذه عقيدتنا يا أهل الإسلام. و لذلك إذا حصلت المخالفة لها رأيت سفك الدّماء و ذهب الخير من بلاد الإسلام. و اتعضوا بما يجري في كثير من بلاد الإسلام.
نرجع إلى سيرته صلى الله عليه وسلم . قام النبي يدعوا في رجال مكة ليلا و نهارا سرا و جهارا. آمن به من آمن و كفر به من كفر. ممن كفر به رجل أسدى معروفا عظيما لرسول الله. كان هذا الرّجل يُقدّم ما يقدر عليه لرسول الله من النفقة و من دفع الأذى و من كف الشّر عنه و من حمل السّلاح دفاعا عنه. إنه عمّه أبو طالب. لما توفّي جدّه عبد المطلّب كفله عمّه أبو طالب و كان يقول لقد شُغِفت بحب محمد حميّة و قبَلِيّة.
فلمّا بُعِث النبي أراده الناس بسوء فردّهم ابو طالب. فكانوا يهابونه و يخافون منه. و كان على دين قومه و يثني على النبي.
كان يقول الأشعار العظيمة منها لاميته التي ذكرها ابن كثير في تاريخه في الدفاع عن الرسول لمّا رأى القبائل قد تمالوا عليه.
يقول نفديه بأنفسنا. يفدي النبي صلى الله عليه وسلم .
لمّا كُتِبَت الصحيفة الجائرة في مقاطعة النبي و أهل بيته احتموا بأبي طالب فكان معهم ابو طالب. و كان الناس إذا أرادوا النّوم يأمر النبي أن ينام في مكان. فإذا أظلمت، أَمَرَهُ أن ينتقل إلى فراش آخر، و جعل أحد بنيه في ذلك الفراش خوفا من أن يُغتال رسول الله.
عجب أمر هذا الرّجل لكنه أبى أن يُسلم.
فلما حضره الأجل عاده النبي عسى أن يسلم و يُختَم له بخير.
( يا عمّي قل لا إله إلا الله ) شفقته صلى الله عليه وسلم و رحمته. كان يحب إسلام هذا الرجل- عمّه- صهر أبيه.
( يا عمّي قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله) و كان عنده رفيق السوء أبو جهل. قال ( يا أبا طالب أتترك ملّة عبد المطلب ؟ ) - تترك ما عليه الآباء و الأجداد أسلافنا-
فأعاد عليه النبي و ةأعاد عليه أبو جهل. فكان قول أبي طالب أن قال هو على ملّة عبد المطّلب. و أبى أن يقول ( لا إله إلا الله ). فمات مشركا خالدا مخلّدا في جهنّم. سُئِل النبي عن عمّه أبي طالب ( و ما أسداه إليه من معروف هل ينفعه ذلك ؟ ) فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يشفع له عند ربه ( فيُجعل في النار فيغلي منه دماغه. ما يرى أن أحدا من أهل النار أشد عذابا منه و إنه لأهون أهل النّار عذابا ). نعوذ بالله من نار جهنّم.
هذه الحادثة على وجازتها فيها فوائد.
فيها بيان منهج النبي في الدعوة إلى الله. إلى أي شيء دعاه ؟ ( يا عمّي قل لا إله إلا الله ) لما جمعهم النبي ( يا بني فلان يا بني فلان ) اجتمعوا . ماذا كان يقول لهم ؟ ( قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا ).
هذا في أول الأمر. في أوسطه أيضا ، في آخره، عند موته صلى الله عليه وسلم كان يدعوا إلى توحيد رب العالمين.
( لعنة الله على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذّر مما صنعوا ). هذه دعوة النبي.
أصلها و أساسها توحيد رب العالمين. ( و لقد بعثنا من كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت )
و لذلك أي دعوة تقوم اليوم لا تعتني ببيان التوحيد تفصيلا مسألة مسألة و بيان الشرك تفصيلا ، لا أن يأتي و يقول ( اتقوا الله و اجتنبوا الشرك ) لكن ما المراد بالشرك ؟ يبيّنه مسألة مسألة.
يقول حذيفة كان الناس يسألون النبي عن الخير و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
كان النبي يبيّن التوحيد و يحّر من الشرك.
كل دعوة لا تقوم على توحيد رب العالمين فمآلها إلى الزّوال. و قد تفسد أكثر مما تصلح. لأنها خالفت منهج الأنبياء و الرّسل صلوات الله و سلامه عليهم.
فيها أيضا فائدة مهمة جدا و هي أن الهداية بيد الله تبارك و تعالى و أن الأمر ليس لرسول الله و لا لأحد. ( ليس لك من الأمر شيء ). نزل في أبي طالب ( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين ).
لما أراد النبي أن يستغفر له نهاه الله و أنزل ( ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغروا للمشركين و لو كانوا أولي القربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ).
قد يسأل سائل و يقول لكن إبراهيم قال لأبيه ( لأستغفرّن لك ) فقال الله ( و ما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرّأ منه).
مما جرى لرسول الله في سيرته العطرة حادثة من أعجب ما جرى له صلى الله عليه وسلم . لأن النفوس جرى لها ما جرى من الغيظ و الحنق و الهم و الكرب فأصيب أصحاب النبي في تلك الحادثة بأمر عظيم.
هاجر النبي و أصحابه إلى المدينة و تركوا مكّة. تركها النبي و قد وُلِد فيها و هو ابن عبد المطلب ، سيد ولد آدم. لكنهم آذوه ( و كأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك فأهلكناهم فلا ناصر لهم ).
كان النبي يقول ( و الله إنك لخير أرض الله و أحب أرض الله إلى الله و لو لا أني أُخرِجت منك ما خرجت.)
لكنه أُخرِج و اختار الله له طيبة. هاجر من معه من المؤمنين و فارقوا ذلك البلد الذي تهوي النفوس إليه و تشتاق ، استجابة لدعوة الله و لدعوة الخليل ابراهيم عليه السلام.
بعد ست سنوات من الفراق عزم النبي على العمرة. مع ما بينه و بين قريش من العداوة و الحرب. لكنه عزم على أن يعتمر و يدخل على عدوّه. فخرج النبي في ألف و 400 من أصحابه. أحرموا بتلبية و ذكر لله حتى اقتربوا من مكة. علمت قريش بقدومه صلى الله عليه وسلم فأخذتهم الحميّة حميّة الجاهلية و قالوا ( و الله لا يدخل علينا محمدا مكة و لا يتحدث العرب أنه دخل علينا بالقوة ) و عزموا على منعه صلى الله عليه وسلم و مقاتلته. فلما اقترب النبي من مكة بركت ناقته - -القصواء- فقال الناس خلئت القصواء أي ساء خلقها. فقالا النبي (ما خلئت القصواء ) . دافع عنها !!
الدفاع عن من لم يُعهد منه شر و لو كان بهيمة. قال (ما خلئت القصواء و ما ذاك لها بخلق و لكن حبسها حابس الفيل.
و الله لا يسئلوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها أو كما قال صلى الله عليه وسلم )
فقام هناك و معه البُدن فانحدر عليهم ثمانون من مشركي قريش فأخذهم الصحابة و أسروهم.فجيء بهم إلى رسول الله. قال ( هل أرسلكم أحد ؟ ) قالوا لا. ( هل أنتم في عهد أحد؟ ) قالوا لا. فأطلقهم النبي لأنه ما يريد القتال. كما قال الله ( هو الذي كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم )
فتردّدت الرّسل بين يدي الرسول و كفّار قريش. يأتون و يخبرهم النبي أنه ما جاء لقتال. جاء ليعتمر. حتى أرسلت قريش رجلا فقال النبي هذا من قوم يعظّمون البدن فبعثوها و قد قُلّدت فقال ما ينبغي لهؤلاء أن يُحبسوا عن البلد الحرام. ما كان أحد يُصد عن البلد الحرام. لماذا تصدّ قريش الناس عن البلد الحرام.
هذا ما يسمى في زماننا أسلوب الضغط. فحصل في مكة من الكلام و القيل و القال ما الله به عليم. و اختلف الملأ من قريش. نردّه أو لا نردّه و الناس يتكلّمون فعند ذلك أرسلوا رجلا يقال له سُهَيل بن عمر. فلما رآه النبي- روي و الله أعلم بصحته - أن النبي قال قد سَهُلَ لكم من أمركم و للشيخ الألباني رحمه الله كلام على هذه الزيادة.
فقال (يا محمد هات اكتب بيننا و بينك كتابا). يعني يريد أن يعقد مع النبي صلحا. و كان النبي هو الذي طلب عد الصلح.
فإنه قال لهم أولا ( إن شاؤوا مددتهم مدّة ) يكون بيني و بينهم عهد صلح أو اتفاقية كما يسمونه في زماننا.
فجاء سهيل بن عمر فقال (يا محمد هات اكتب بيننا و بينك كتابا).
فبدأ علي يكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل ( أنا لا أعرف الرحمن و لكن اكتب بسمك اللهم ) فقال النبي ( أكتب بسمك اللهم ). قال هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قريشا. قال سهيل ( و الله لو نعلم أنك رسول الله لما قتلناك
و لكن أكتب اسمك و اسم أبيك ). قال علي ( و الله لن أكتبها إلا محمد رسول الله ) قال سهيل ( لا تكتب الا اسمك و اسم أبيك و لا تكتب رسول الله) أبى فقال النبي ( أكتب محمد بن عبد الله ).
قال ( على أن تخلوا بيننا و بين البلد الحرام نعتمر ). قال ( ليس في هذا العام و إنما في القابل ) تأتي السنة المقبلة أما هذه السنة ما تدخل علينا مكة. فرضي النبي. أنظر إلى هذه الشروط. لو كنت بينهم يا عبد الله و انت تنظر إلى رسول الله ، عندك أحاديث النبي و هو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. و في نفسك ما في نفسك. تقدّم ماذا ؟ العق أو النقل ؟ نقدّم أحاديث النبي -المنقولة إلينا- على عقولنا. قال ( و على أن نضع الحرب 10 سنين ) قال سهيل ( على أن من جاءك منّا مسلما تردّه إلينا و من أتانا منك مرتدّا نؤويه ) فرضي النبي. فتحدّث الناس. قالوا كيف يُردّ إلى المشركين و قد جاء مسلما و الناس يريدون العمرة. أنت الآن تصوّر حالك يا أخي و أنت قد ترددت على مكة مرات و مرات. لو قدر الله أنك ذهبت إلى الحج و منعت من دخول مكة ، ماذا يحصل في نفسك ؟ كيف و قد ردّ النبي أناس مشركون قد استولوا على مكة و نصبوا على الكعبة حوالي 360 صنما. قدّر الله أيضا في هذه الحال و الناس في الغيظ و الحنق الشديد ، وقع أمر عجيب. أقبل رجل يرصف من قيوده قد انفلت من مكة فرما بنفسه بين أظهر المسلمين. من ؟ أبو جندل ابن سهيل ابن عمر سفير قريش في كتابة صلح الحديبية. مسلم آذوه و عذبوه فلما علم بقدوم النبي انفلت منهم. فرح المسلمون بقدومه. فقال سهيل ( يا محمد هذا أول ما نراضيك عنه أن تردّه إلينا ) قال النبي ( إننا لم نقض الكتاب بعد ) يعني ما تم الصلح بعد. قال ( إذن ما بايعناك ) قال ( أجزه لي ) قال ( ما أنا بمجيزه ) فأمر النبي أن يُردّ أبو جندل إلى المشركين. فقال الناس يرد إلى المشركين و قد جاء مسلما و هو يقول ( يا معشر المؤمنين ألا ترون ما حلى بي ) و كان قد أوذي في الله. أردّ إلى المشركين و قد جئت مسلما. فأخذه سهير يجرّه و المشركين يجرونه و ذهبوا به و المؤمنون ينظرون إليه. و لله الأمر من قبل و من بعد.
الله حكيم عليم. إنقضى هذا الصلح بما فيه من شروط مؤلمة و ذهب سهيل بن عمر. أمرهم النبي أن يحلقوا و ينحروا.
فلم يجبه أحد فدخل على أم سلمة رضي الله عنها. قالت ( من أغضبك يا رسول الله ؟). قال ( ألا ترين أني آمر بأمر فلا أطاع ) فقالت ( يا رسول الله بالناس ما بهم من الهمخ و الغم فاخرج إليهم و لا تحدّث أحدا و امر أن يؤتى بالحالق واحلق رأسك ) فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم و حُلِقَ رأسه صلى الله عليه وسلم فعلم الناس أن الأمر قد قُضِي و أنه قد حيل بينهم و بين البلد الحرام في ذلك العام. فحلق الناس بعضهم بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا من الهم و الغم. و رجع النبي و أنزل الله عليه البشارة. نزلت سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك م ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطا مستقيما) هذه عاقبة الإستجابة لأمر الله عز وجل. فإن الله هو الذي أمره بذلك الصلح.
عمر رضي الله عنه جاء لأبي بكر و قال ( يا أبا بكر ألسنا على الحق و عدوّنا على الباطل؟. قال :نعم. قال: فلما نعطي الدنيّة في ديننا. قال: يا أيها الردل إنه رسول الله و إن الله لا يضيع رسوله فتمسّك بامره فإنه على الحق ). و كان قد جاء إلى رسول الله و قال ( يا رسول الله ألسنا على الحق و عدوّنا على الباطل؟. قال :نعم. قال: فلما نعطي الدنيّة في ديننا. قال: إني رسول الله و لست أعصي أوامره . قال : ألم تكن تحدّثنا أننا سنأتي البيت و نطوف به. قال: نعم. هل أخبرتك أنك تأتيه هذا العام - في هذه السنة؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه و مطوّف به. )
هذه الحادثة من سيرته فيها فوائد عدة و عديدة لو تأملنا في سيرته صلى الله عليه وسلم لطمأنّت النفوس و ذهب ما فيها من الأمور المخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم . هذه الحادثة تدل على سنة من سنن رسول الله للمسلمين. إذا حصل فيهم ضعف و عدم قدرة على مقاومة عدوهم ، ( لله الأمر من قبل و من بعد ) ، ( و تلك الأيام نداولها بين الناس ) و من رحمة الله أنه ما أنزل أهل الإسلام للقتال في كل حال بل فتح لهم بابا. و هذا يدل على يسر الشريعة الإسلامية ( و إن جنحوا للسلم فاجنح لها ) إذا دعوك إلى الصّلح فاستجب، بل لك أن تدعوهم أنت إلى الصلح كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله. يقول ( إذا كنت في قوة فلك أن تفاتل و إذا كنت في حال ضعف فلك أن تعرض الصلح كما عرضه النبي ).
بالله عليكم هذا الذي جرى من رسول الله لو جرى من أحد من حكام المسلمين اليوم، رأى بلده في حال ضعف و عدم قدرة على مقاتلة العدو و عقد صلحا بينه و بين المشركين أو اليهود أو النصارى. من الذي سيحصل من الجهلة و ممن يثيرون الفوضى و الفتن في بلاد المسلمين ؟ سيتكلمون و يقولون أو لا هذا موالٍ للمشركين. هذا موال للكفار. هذا خائن للأمانة و هو إنما فعل ذلك حماية لبيضة المسلمين و حفاضا على بلاد المسلمين و خوفا من أن تنتهك هذه البلاد. كما فعل النبي ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر ) .
لا نقدّم العقل على النقل. قد يقول بعض الناس كيف نصالحهم و قد استولوا على بلاد المسلمين و يشرطون علينا الشروط المؤلمة و يريدون أن يأخذوا حقّنا و قد استولوا على مسجدنا. فيقال أأنت خير من رسول الله؟
النبي رضي بتلك الشروط المؤلمة لعدم القدرة على مقاتلته و هو صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي و متوكل على الله و يعلم أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله. لكن لا طاقة لهم في ذلك اليوم بقتال عدوّهم و مع ذلك صالحهم على تلك الشروط المؤلمة و ما فيها من الضير على أهل الإسلام رجاء العاقبة الحميدة. و كانوا قد استولوا على البلد الحرام.
فمن خير من رسول الله ؟!!
يا معاشر المؤمنين هذه الحادثة تدل على أنه لابد أن نراجع ما طُرِحَ على المسلمين خلال سنوات عدّة من أمور و مسائل متعلقة بالجهاد في سبيل الله ، متعلقة بمعاملة الكفّار ، متعلقة بمقاتلتهم ، متعلقة بالتحرّش بهم و أهل الإسلام لاطاقة لهم و لا قدرة على قتال عدوّهم ، و الواقع يشهد بذلك.
أليس لنا أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلى و الله!! العقل العقل !! الحلم الحلم يا عاشر المؤمنين !!
حتى لا تُنتَهَك بلاد الإسلام.
ها هو النبي في آخر حياته يموت و درعه مرهونة عند يهودي. إشترى عنده شيء من الطعام.
هل يجوز لك أن تشتري من يهودي طعاما ؟ لكنه يسب الله و يسب الرسول !! يجوز أن تشتري منه ؟
نعم يجوز. النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه و هو يعلم أنه يسبون الله بل أرادوا قتله فدلبّ ذلك على أن مسائل الأكل و الشرب و الشراء من المشركين و مما يبيعونه لا علاقة له بالولاء و البراء.
الذي يأكل أو لا يأكل كلاهما سواء. لا يأتي أحد و يقول الذي يأكل من منتجاتهم ضعيف المحبة لرسول الله. إذا كنت تحب النبي إياك أن تشتري مما يجلبونه إلى بلاد المسلمين و مما يبيعونه و ينتجونه. يا معاشر المؤمنين لماذا نشغل أنفسنا بهذه
المسائل و نحن بحاجة إلى ما ينتجونه و ما يصدرونه لبلادنا.
و هل يمكن أن نظبط ذلك ؟ الصحابة كانت بعض منتجات بلاد الكفار في بلادهم. كانوا يأكلون من طعام الكفار ( و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم ) فلماذا نشغل المسلمين في شرق البلاد الإسلامية و غربها بمسائل الأكل و الشرب و ما يتعلق بها و نغفل عن مسألة مهمة يتحقق بها النصر على الكفّار. ما هي ؟
تصحيح العقيدة كما تقدّم أولا. أن نعتني بتصحيح عقائد المسلمين و التحذير من البدع و الشّركيات.
من الواقف في سيرته صلى الله عليه وسلم موقف جرى لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه و أرضاه.
عبد الله بن مسعود أوذي في الله و كان يحدّث أيضا بما جرى لرسول الله. لأننا نعاني الآن من الإستعجال ( و لكنكم تستعجلون ). فيستعجل المسلمون النصر و يتسخطون ، بعض المسلمين. و قد يحصل لهؤلاء المتساهلين شيء من الشك و الريب بوعد الله و نصره لهذا الدين ، فليتأمل في حال السابقين الأولين.
يقول عبد الله ابن مسعود كان النبي يصلّي عند الكعبة و نفر من صناديد قريش ينظرون إليه.
فقال بعضهم لبعض أيكم يذهب فيأتي بزبالة بني فلان فيضعها على ظهر محمد إذا سجد.
فذهب أشقى القوم و هو عقبة بن أبي معيظ و جاء بفضلات جزول بعد نحرها. و يقال أنها كالمشيمة للمرأة و وضعها على ظهر النبي و هو ساجد ، فجاءت فاطمة فأبعدتها عن ظهره و سبّتهم. فلما فرغ من صلاته رفع يديه و دعا الله ففزعوا و خافوا لأنهم يرون أن الدعوة مستجابة عند البيت الحرام فقال صلى الله عليه وسلم ( اللهم عليك بفلان و فلان و فلان ) سمّاهم النبي. يقول عبد الله بن مسعود ( فلقد رأيت أولائك قتلى يوم بدر ) استجاب الله دعوة النبي.
هذه الحادثة فيها فائدة و هي:
أن نصرة المسلم لأخيه المسلم لها شروط و ضوابط.
ابن مسعود هل نصر النبي ؟ لا ما استطاع ، حتى إنه ما استطاع أن يبعد الأذى عن ظهره صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءت فاطمة و أبعدته عن ظهره. هل يُلام ابن مسعود على ذلك ؟ لا. ( لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها ) ( إلا ما أتاها )
فأخذ العلماء من هذا فائدة و هي أن نصرة المسلم لأخيه المسلم لها شروط منها:
أولا القدرة. فإذا لم يكن بالمسلمين قدرة على نصرة إخوانهم فإن الله لا يعاقبهم على ذلك.
ثانيا: هناك أمور تمنعك من النصرة منها أن يكون بين بلدك و ذلك البلد الكافر عهد و ميثاق. ما معنى هذا الكلام ؟
نسمع من يخرج علينا في القنوات و في غيرها إذا حصل للمسلمين أمر من الأمور أو حادث فيحرّض الناس و يهيّج الناس و يقول لا تلتفتوا لحكماتكم و لا لولاة أمركم في نصرة إخوانكم المسلمين ، أنصروا إخوانكم أخرجوا لالجهاد و افعلوا و افعلوا. هل هذا الكلام صحيح ؟ يستدلّون بآية ، يقولون ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )
قل له يا أخي أكمل الآية ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم و بينهم ميثاق )
يعني إذا كان بين دولتك و تلك الدولة الكافرة التي تقاتل المسلمين عهد و ميثاق فلا يجوز لك أن تشارك لأن العهد الذي عقدته دولتك يلزم جميع الرّعيّة. هل فعل ذلك النبي و الصحابة ؟ نعم فعلوه. خذ هذه الحادثة. لما عُقِد صلح الحديبية على وضع القتال عشر سنين، انفلت أبو جندل مرة ثانية و انفلت معه أناس ( أبو بصير و غيره ) و لم يهاجروا إلى المدينة لعلمهم أن النبي سيردهم إلى كفار قريش ( وفاءا بالعهد ) فذهبوا إلى سيف البحر و صاروا يعترضون قوافل قريش ، كلما جاءت قافلة اعترضوا لها ( قتلوا من قتلوا و أخذوا أموالهم ) فكانوا في حرب مع قريش و في عداء و قد آُذوا و ظُلِموا و عُذِّبُوا. السؤال: هل خرج أحد من المدينة لنصرتهم ؟ لا.
لو خرج أحد من المدينة لجاءت قريش للمدينة و قالت يا محمد قد نقضتم العهد !!
فانظروا إلى خطورة هذا الأمر على بلاد المسلمين. إذا خرج نفر من شبابنا و قاتلوا في بلد من البلدان بيننا و بينهم عهد و ميثاق ضرروا على الأمة بأكملها. ضرروا على ذلك البلد كلّه و يعدّونه نقضا للعهد. لماذا غاز النبي قريشا بعد صلح الحديبية بسنتين ؟ من يجيب ؟
هم نقضوا العهد. شارك أناس من قريش في قتل رجال دخلوا في حلف النبي. كانوا ضمن عهد النبي و معه. فلما شاركت قريش أو نفر منهم في قتلهم عدّ النبي ذلك نقضا للصلح و غزاهم بعشرة آلاف و غلبهم و فتح مكة.
فانتبهوا بارك الله فيكم لهذه المسألة المهمة. هذه المسائل و هذه القضايا التي تعرض لنا في حياتنا حَلُّها في سيرته صلى الله عليه وسلم .
كان صلى الله عليه وسلم يعمل بالقرآن كما تقول عائشة رضي الله عنها، فما في كتاب الله تراه في سيرته و هذا أيضا يدل على أن السيرة النبوية لا تُذكر في مجالسنا من أجل ذكر القصة فقط. لا. تُذكر لاستنباط الأحكام و الفوائد و الرقائق و المواعظ منها.
من أحداث السيرة النبوية غزوة. هذه الغزوة قُتِل فيها سبعون من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم و أرضاهم.
كان النبي يريد البقاء في المدينة لكن بعض الصحابة ممن لم يشهد بدر كانوا يريدون الخروج لقتال قريش.
فلبس النبي لباس الحرب. قالوا لعلّنا أكرهناك يا رسول الله فقال ( ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها ) فخرج النبي للقتال.
فالسيرة النبوية علم جليل يعتني به أهل العلم و أفردوه بالتصنيف. فالّف فيه الإمام إسحاق و ألّف فيه غيره من أهل العلم.
و من أحسن من كتب في السيرة النبوية الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية و النهاية فإنه استوفى الكلام على سيرته بذكر الآحاديث و الترجيح في المسائل و ذكر ما تيسر من...
و في زماننا أيضا كتابات كثيرة في السيرة النبوية و منها قطوف جامعية ...فيها فوائد و لله الحمد و المنة.
لكن ننتبه. السيرة النبوية كتب فيها كثيرون ، من الناس من يكتب في السيرة من أجل خدمة منهجه الذي يسير عليه و هو مخالف لما عليه أهل السنة و الجماعة.
فلا بد أن تعرف أولا أن هذا المؤلف من العلماء . ثانيا أن يكون متجردا للحق ، ما ألّف هذا الكتاب من أجل أن يلوي أعناق النصوص و أحداث السيرة في توافق هواه. فيُنتبه لهذا. الكتابات في السيرة كثيرة و عليك أن ترجع لكتب أهل العلم الموثوقة مما كُتِب في هذا الشأن و هو جيّد .
كتاب السيرة النبوية الصحيحة لِأَكرَم العُمَرِي هذا كتاب جيد و من أحسن ما أُلِّف في زماننا.
أختم بنصيحة لنفسي و لإخواني : نحن في زمن كثرت فيه الفتن و كثرت فيه الشهوات و الشبهات التي تُعرض على الناس
فلابد أن نتواصى بالحق و نتواصى بالصبر ( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر )
الناس في شرقها و غربها يتشوّقون إلى دعواتكم يا أهل السّنة كما كانوا في الجاهلية يتشوقون لمبعث النبي الخاتم.
الناس إذا بلغتهم هذه الدعوة التي هي الدّين الصافي الذي جاء به النبي يفرحون أشد الفرح، يبكي أحدهم إذا علم ذلك و كيف أنه عاش سنين طويلة و هو جاهل بهذا الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة.
فما واجبنا نحن ؟
يتلخّص في أمور.
منها أولا: التراحم فيما بيننا. أن يحصل التراحم بين الإخوان( أهل السنة ). و أن يعلموا أنهم ولله الحمد و المنة على الحق و على الهدى فليحصل بينهم ذلك كما كان بين أصحاب النبي. أثنى الله على الصحابة بقوله ( رحماء بينهم ) ، ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين ) فيهم ذلّة لإخوانهم المؤمنين ، و هذا عزّ لك أيها المؤمن. فيرحمه و يشفق عليه.
يقول بعض السلف ( إذا سمعت برجل من أهل السنة في المشرق أو في المغرب فابعث إليه بالسلام ، ما أقلّ أهل السنة )
إذا حصل من أخيك خطأ، زلل أو نقص فينبغي أن تعفو عنه و تصفح و تستر عليه لا أن تشهّر به و لا أن تشمت به و لتعلم أنه مع كثرة الشبهات في زماننا يحصل الجهل بالمسائل مما يتعلّق بالمسائل الحادثة عند الناس و بهذه الأمور التي حصلت و الأفكار و المناهج الجديدة فعليك أن تكون معلّما لا أن تكون معنّتا و لا متعنتا. عليك أن تبين الحق للناس. و من لم يستجب اليوم يستجيب بعد يومين، بعد سنة. المقصود أنك تبين الحق و قد يحصل من إخوانك جهل. يحصل الجهل. نرى إخواننا من أهل السنة يحصل من بعضهم الجهل في بعض المسائل ، ما تبينت له و ما تضح له الأمر. فلا ينبغي أن يُهجر أو يعنّت عليه بل ينبغي أن يُدلّ على الحق و يبين له و سيرجع بإذن الله. هذا أمر مهم جدا. أن يكون عندنا رحمة. شيخ الإسلام ابن تيمية و هو يتكلّم عن أناس من أهل الضلال و الإ
فإني أحمد الله تعالى الذي جمعنا في هذا المجلس المبارك ، إن شاء الله. و أسأله جل و علا أن يرزقنا جميعا العلم النافع و العمل الصالح.
إن خير ما عُمِرَت به المجالس بعد كتاب الله تبارك و تعالى ذِكرُ أخبار النبي المصطفى و ذلك أن الله أنعم علينا بنعمة كبرى و هي بعثة هذا النبي.
و قد امتن الله بهذه النعمة وز ذكر عباده بها في كتابه الحكيم.
قال الله ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).
نعم. لقد كان الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في ضلال مبين.
أما العرب فإن الله قد هداهم إلى الملّة الحنيفية على يد الخليل ابراهيم عليه صلاة الله و سلامه ، وذلك أن الله أمره أولا أن يذهب بذلك الإبن الذي رُزِقه على كبر سنه كما قال ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل و إسحاق )
فأمره الله ، ابتلاء منه و امتحانا لهذا العبد المؤمن الموحّد، أمره أن يذهب بهذا الإبن و أمه إلى ذلك الوادي الذي ليس به أي أحد. فذهب بهذا الولد اسماعيل و أمه و وضعهما هناك. و ترك عندهما شيئا من الطعام و الشراب ثم ولّى. فلحقته أم اسماعيل و هي تناديه ( يا ابراهيم إلى من تتركنا ) و هو لا يلتفت. فقالت له ( أالله أمرك بذلك ؟ ) قال نعم. قلت ( إذن لا يضيعنا ).
فلما ابتعد عنهم قليلا أدركته الرحمة و الشفقة ( رحمة الوالد بولده ) فدعا ربه لأهل هذا البلد و لذريته ( ربي إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم و ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).
فمكث اغسماعيل و أمه هاجر هناك ما شاء الله حتى نفذ ما عندهما من طعام و شراب. و خشيت الأم على ولدها من الهلاك. فنظرت إلى الصفا فصعدت في الصفا ، هل من أحد هل من مغيث؟ فلم ترى أحدا . ثم هرولت و سعت سعي الإنسان إلى المروة. فعلت ذلك سبع مرات. فعند ذلك أدركتها رحمة الله، فأرسل إليهم الملك فضرب الأرض عند قدمي اسماعيل فتفجّرت عين زمزم ) فصارت أم اسماعيل تحوقّها....
يقول النبي ( يرحم الله أم اسماعيل ، لو تركت زمزم كانت عينا معينا ). فمرّب بها قبيلة جُرهُم و استأذنوها في أن يقيموا عندها ، و كانت تحب الأنس. فأذنت لهم على أن لا يكون لهم حق في هذا الماء. فنما هو حق لهذا الولد و لذريته.
فلما تقدمت السن باسماعيل عليه السلام أَعجَبَ قبيلة جرهم فزوجوه امرأة منهم. فجاء ابراهيم الى ابنه يتفقد حاله و ينظر في تركته، فقابلته امرأة اسماعيل فسألها ابراهيم عن حالها و حال زوجها و كان قد خرج يصيد لهم. فقالت ( نحن في شر و في ضر ) و لم تثني على الله خيرا و لم تسكن لزوجها. فقال لها ابراهيم ( إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و مريه أن يغير عتبة بابه ). فلما أخبرت اسماعيل قال ( ذاك أبي و قد أمرني أن أطلقك ، الحقي بأهلك ). ثم تزوج امرأة أخرى فجاء ابراهيم ، فتحت له فسألها عن اسماعيل. قالت ( ذهب يصيد لنا ). سألها عن حالها فأثنت على الله خيرا و شكرت لزوجها. قال ( ما طعامكم ؟ ) قالت ( الماء و اللحم ). فدعا لأهل ذلك البلد في الماء و اللحم أن يبارك الله لهم فيه.
ثم قال ( أبلغيه السلام و مريه أن يثبت عتبة بابه ). قال ذاك أبي و قد أمرني أن أمسكك، أي أن أثبتك عندي.
ثم جاء ابراهيم بعد حين فلقي اسماعيل و صنع كما يصنع الوالد و الولد اذا التقيا بعد حين. قال ابراهيم ( يا بني إن الله قد أمرني بأمر ) قال ( أطع ربك ). قال ( و تعينني ؟ ) قال ( نعم ). قال ( أمرني أن أبني هاهنا بيتا ). فشرعا في بناء البيت و هما في دعاء و لجوء و تضرع إلى الله. قال الله ( و إذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ). فما رفع القواعد من البيت جيء بهذا الحجر الأسود الذي نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن أو من الثلج. كما ورد في الحديث ، فسوّدته خطايا بني آدم كما قال رسول الله. و وضعه ابراهيم في مكانه ثم أمره الله أن ينادي في الناس أن أَذِّن إن لله بيتا فحجوا ( و إذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ).
يروى أن ابراهيم قال ( و من يبلّغ عني ؟ ) قيل ( أذّن و علينا البلاغ. ). فأذن في الناس فأقبلت وفود الحجيج من كل مكان. و دعاهم ابراهيم إلى توحيد رب العالمين و عُمِرت تلك العرصات بتوحيد الله.
بقي الناس ما شاء الله على ملّة ابراهيم ، على الحنيفية ، على التوحيد ، على السنّة. حتى قل العلم و فشا الجهل
و تغلّبت قبيلة خزاعة على الحرم. و كان مقدَمُّهم و رئيسهم و عالمهم رجل يقال له عمر بن لحيّ الخزاعي و هو الذي غيّر دين ابراهيم كما أخبر رسول الله. هذا الرجل ذهب إلى الشام و رأى عبادة الأصنام فأعجبه ذلك و كانوا يعبدونها باسم محبة الأولياء و الصالحين و أنها رموز لهم و أنهم إذا توجهوا إلى هؤلاء الصالحين و هم مقربون عند الله رفعوا حاجاتهم إلى علاّم الغيوب. و نسوا أن الله قريب ممن دعاه كما قال ( و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) كان لعمر بن لحي رَإِيٌّ من الجن فقال له يوما ( يا عمر بن لحي إيتي جُدَّة تجد بها أصناما مُعَدَّة و ادعوا العرب إلى عبادتها فإنك إذن .... ) فذهب إلى البحر و استخرج الأصنام التي جرفها الطوفا كما ذكر أهل التاريخ - ود و سواغ و يغوث و يعوق و نسر - فلما اجتمعت العرب في موسم الحج دعاهم إلى عبادتها و زين لهم ذلك. فأطاعوه لجهلهم و ظنهم أنه أعلم منهم بدينهم. و انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب حتى إن رسول الله لما دخل مكة كان حول الكعبة 360 صنما يعبدونها من دون الله. و غيّروا ملة ابراهيم و ابتدعوا في الدين فحرموا ما حرّموا من بهيمة الأنعام كما قال الله ( ما جعل الله من بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و حام ). و قتلوا النفس التي حرّم الله ( و إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ، ( و إذا بشر أحدهم بالأنثى ضل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ).
كانوا يحجون في الجاهلية أي ان عندهم شيئا ( بقايا من دين ابراهيم ) فكانوا يقفون بعرفات و المزدلفة و منى و يرمون الجمار و ينحرون و يعتقون ، لكنهم أحدثوا في هذا. مما أحدثته قريشا أنهم كانوا في يوم عرفة لا يقفون مع الناس بعرفة و يقولون ( نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه ، إنما نقف بالمزدلفة لأنها من الحرم و عرفة من الحل ) و قد كان رسول الله قبل الهجرة إذا حج يقف بعرفات على سنة أبيه ابراهيم.
كانوا ف5ي الجاهلية إذا طافوا بالبيت الحرام يلبون و يقولون ( لبيك لا شريك لك ) و يقول النبي ( قد قد ) أي حسبكم أن لا تزيدوا شركا فيزيدون ( إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك ).
كانوا في الجاهلية يطوفون بالبيت الحرام. يطوفون عراة .إذا لم يعرهم أحد من أهل مكة ثوبا أو لم يشتروا ثوبا يلقون ثيابهم و يطوفون بالبيت عراة و يقولون ( لا نطوف ببيت الله بثياب عصينا الله فيها) حتى إن المرأة في الجاهلية كانت تطوف بالبيت عريانة و تقول ( اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدى منه فلا أحلّه ) فأنكر الله عليهم ذلك ( و إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا و الله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ).
هذا ما يتعلق بالعرب ، غيروا دين ابراهيم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم . ففشى فيهم الظلم و الجهل و الشرك بالله و الإبتداع في الدين.
كذلك أهل الكتاب و هم اليهود و النصارى ، و في الحديث أن اللله نظر إلى أهل الأرض فمقنهم عربهم و عجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب. بقي منهم أناس على الملة الحنيفية و هي توحيد الله. أما أكثرهم فقد حرّفوا دينهم و بدلوه و غيروه.
أما اليهود فقد أخبر الله عنهم أنهم عبدوا غير الله ( و قالت اليهود عزير ابن الله ) و كتموا ماجاءهم من البينات كما سيأتي.
و النصارى اختلفوا في معبودهم، فمنهم من يقول إن الله هو المسيح ابن مريم كما قال الله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ). و منهم من يقول إن الله هو ثالث ثلاثة ، قال الله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )
و منهم من يقول إن المسيح هو ابن الله ، قال الله ( و قالت النصارى المسيح ابن الله ).
هذا حال الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم . و كان الناس قبل البعثة ينتظرون هذا النبي الخاتم الذي بشّرت به الأنبياء.
ما من نبي بعثه الله إلا و أخذ عليه العهد لئن بُعِثَ محمد فليؤمنن به و لينصرنّه. قال تعالى ( و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه ).
و كانت الأنبياء تخبر عن صفته صلى الله عليه وسلم و عن بلده و مهاجرته و اسمه. ها هو المسيح ينادي في بني اسرائيل و يعلن و يعلم و يخبر و يبشر بمبعث هذا النبي ( و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) ، ( النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر ).
كانت اليهود في المدينة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم إذا حصل بينهم و بين المشركين من العرب- أو الأميين كما يسمونهم - شيء استنصر اليهود ببعثته صلى الله عليه وسلم و استفتحوا و قالوا ( قد أَزِفَ زمان نبي يُبعث نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد و ثمود ) فلما بُعِث النبي و كانت الأنصار تصنع ذلك من اليهود قالوا ( لا تسبقنكم يهود إلى هذا النبي الخاتم. آمنوا به ) فآمن الأنصار و كفرت اليهود بغيا و حسدا ( و كانوا من قبل يستفتحون على الذي كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) ، ( فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) يعلمون صفته صلى الله عليه وسلم و بلده.
ذكر كعب الأحبار شيئا مما قرأة في التوراة ( هو عالم من علمائهم ) ، ثبت عنه أنه قال ( إني لأجد صفة النبي في التوراة ، ليس بفظ و لا غليظ و لا سخام في الأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يجزي بالسيئة الحسنة ) ثم قال ( مولده بمكة و مهاجره و مطابه و ملكه بالشام ). كل هذا تحقق كما هو موجود في التوراة و قد حرّفها و كتم ذلك أهل الكتاب.
الحديث الذي رواه أحمد في مسنده أن النبي و أبا بكر وعمر مرّوا على يهودي قد مسك التوراة يقرأ فيها و يتعزّى لابن له في سياق الموت فسأله النبي فقال (أنشدك بالله هل تعلم صفتي في كتابك ؟ ) قال ( لا نعلم ) فتكلّم ابنه فقال ( أي و الله إننا لنجد صفتك في كتابنا و إنك للنبي الخاتم . أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ) فأمر النبي أصحابه أن يتولو تغسيل هذا المسلم الذي أنقذه الله برسول الله و أن يتولوا كفنه و الصلاة عليه.
يقول سلمة ابن سلامة ابن ورش الأنصاري البدري رضي الله عنه و أرضاه ( كنا أهل الجاهلية نعبد الأوثان فوقف علينا يهودي يعضنا و يذكّرنا فذكر الجنة و النار و الصراط و الحساب و الميزان ، فقلنا ( يا فلان ذلك كائن ؟ ) قال (نعم و تمنيت لو أني أوضع في أعظم تنور في الدنيا و أن ذلك حظي من نار الآخرة ). قالوا ( و ما علامة ذلك ؟ ) قال ( نبي يُبعثُ من هاهنا . من مكة او اليمن ). قالوا ( ومتى ؟ ) قال ( إن يبلغ هذا الغلام يُدركه. و أشار إلي ) قال فبُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم و آمنا به و كفر به ذلك اليهودي. فجئنا إليه و قلنا ( هذا الذي كنت تحدثنا به ) قال ( نعم ما حدثتكم به حق و لكن ليس هو النبي )، ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون ).
تقول صفية بنت عيي بن الأخضر رضي الله عنها و أرضاها ، أم المؤمنين وهي من نسل هارون أخو موسى عليهما الصلاة و السلام ، وقعت في السبي فأعتقها النبي و جعل عتقها صداقها فصارت من أمهات المؤمنين، حدّثن عن أخبار اليهود و حسدهم و بغيهم و عنادهم و مكابرتهم و ردّهم للحق ، تقول ( لما بُعث النبي و قدم إلى المدينة ذهب إليه أبي و عمي - أوب ياسر ابن الأخضر - ذهب من أوّل النّهار لينظر في حاله) قالت ( فجاء في آخر النهار مع الليل و لم يعبأ أبي و كانا لايقدّمان عليّ أحدا ، فسمعت أحدهما يقول للآخر هل رأيته؟ قال نعم. قال: أهو هو ؟ هو النبي الذي كنا ننتظر و جئنا من أجله؟ قال : نعم. قال: ما اظمرت له؟ قال: العداوة له.) نسأل الله السلامة و العافية. ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ) ، ( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء ). يتعجب المرء إذا سمع ذلك. هذه القلوب التي علمت الحق و ردّته. لماذا ؟ الله حكيم عليم ، الله أعلم بالشاكر من عباده و بمن يذل و يخضع و يطلب الحق و هو أعلم بالمستكبرين. قال تعالى مبينا شيئا من أسباب الطمس على قلوب هؤلاء ( فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ، ( سأصرف عن آياتي الذي يتكبرون في الأرض بغير الحق ) ، ( و كذلك نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة ) ، ( فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أنه يصيبهم ببعض ذنوبهم ) و لذلك يقول السلف الصالح رضي الله عنهم ( إذا جاءك الحق و تبين لك فإيّاك أن تردّه فيُخشى أن يُطمَسَ على قلبك أو يُطبع عليك )
و نحن في زمن كثُرت لافيه الفتن و كثرت فيه الشبهات و كثرت فيه الأهواء. و الناصحون المبينون للحق و لله الحمد و المنة
بين أظهرنا موجودون. إذا بلغنا الحق ينبغي أن تكون القلوب خاضعة لله طالبة للحق. إذا بلغها الحق قالت سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير.
سلمان الفارسي كان مجوسيا ثم رأى النصارى فأعجبهم حالهم و دينهم فدخل في دينهم ثم خرج من بلده يبحث عن أهل العلم من النصارى ، كلما مات عالم لحق بغيره ، آخرهم قال له سلمان ( إلى من ترشدني ، إلى من تدلّني بعد موتك ؟ ) قال ( لا أعلم أحدا على ما أنا عليه إلا أنه قد أزف زمان نبي آخر الزمان ، مهاجره إلى أرض بين حرّتين فإن أدركته فآمن به ) فوقع في الرّق رضي الله عنه و اشتراه يهودي من أهل المدينة. و انظر كيف أن المصائب و المحن تكون منحا.
فلما هاجر النبي إلى المدينة ذهب سلمان الفارسي ينظر و يتأمل في حال النبي فقد أخبره ذلك الراهب العالم من علماء النصارى عن صفة النبي. قال ( يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ، و بين كتفيه علامة النبوة و بيّنها له ). فجاء سلمان بصدقة فلم يأكل منها النبي . جاء بهديّة فأكل منها. رأى علامة و بقيت علامة ، فصار ينظر في جسده صلى الله عليه وسلم مراده فكشف له النبي عن خاتم النبوة فأقبل سلمان على رسول الله يقبلّه و يبكي و يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله. و أخبر النبي بقصّته و حاله و بحثه عن الحق.
كان الناس يبحثون عن هذا الهُدى الذي بين أيدينا ، عن هذه السنن ، عن ما أراده الله من عباده و بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم . كان الناس يبذلون الغالي و النفيس في سبيل ذلك .
زيد بن عمر بن نُفَيل كان في الجاهلية يُنكِر ما عليه أهل الشرك و الإبتداع في الدين و يقول ( لستم على ملة ابراهيم ).
ذهب إلى اليهود يسألهم ، ذهب إلى النصارى يسألهم فما أعجبه حالهم ، كلهم يدلون على ابراهيم.
قال ( اللهم اشهد أني على ملة ابراهيم لكني لا أعلمها ) و مات على ذلك.
كذلك ورقة بن نوفل رحمه الله تنصّر في الجاهلية بعد أن بحث عن الحق و سأل عنه و لما بُعِث النبي قال ( إن يُدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ) فلم يلبث ورقة أن توفي رحمه الله و غفر له.
رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ).
ثم بعث الله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم و الناس في شوق لمبعثه و أهل الأرض يرجون ذلك.
و أذن الله بالفرج على يدي هذا النبي الخاتم. فبعثه الله و جاءه الوحي ( إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ و ربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم ).
و كان ى صلى الله عليه وسلم يتحنّث في غار حراء. هذا الغار كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد الهجرة ، بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ما كان يذهب إلى هذا الغار لا هو و لا أصحابه لزيارته أبدا. ليس من شعائر الدّين. رجع النبي إلى خديجة و أخبرها بحاله ، ترجف بوادره ، لا يدري ما الذي جرى له. قال ( خشيت على نفسي ) فذهبت به خديجة رضي الله عنها و أرضاها إلى ورقة بن نوفل لأنه عالم ، و هذا يدل على مسألة مهمة من مسائل الدين و هي ، إذا جرى لنا معاشر المؤمنين أمر من أمور الديم و أشكا علينا من نسأل ؟
نسأل أهل العلم العالمين بكتاب الله و سنة رسوله محمد. لا نسأل الجهلة و المجهولين و من لا يُعرف بعلم و لا بسنة إنما يُعرف بتهيج الناس و إثارة الفتن و المشاكل في بلاد المسلمين و تحريش الكفار عليهم و الزّج بالمسلمين في صراعات لا طاقة لهم بها ، من غير نظر في المصالح و المفاسد و في النهاية لا تجد لعملهم ثمرة ، فيصدرون الفتاوى و هم أصلا ليس أهلا للفتيا ، ثم بعد ذلك تتسرب عن طريق مواقع الإنترنت و بطرق أخرى مشهورة .
ديننا واضح و بيّن و لله الحمد و المنة ، ليس فيه خفاء ( فسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) تحضرني حادثة عجيبة وقعت متعلقة بهذه المسألة و فعل خديجة رضي الله عنها لما ذهبت به إلى ورقة و قالت ( اسمع من ابن أخيك ) فحكى له النبي فقال ( هذا الناموس الذي كان يأتي موسى - يعني الوحي- يا ليتني أكون جدع إذ يخرجك قومك )
أنظر إلى علم هذا الرجل. قال النبي ( أوما مخرجي ؟ ) أنا ابن عبد المطلب أُخرَج من مكة !! قال ورقة ( لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي ) و وقع كما أخبر ورقة رحمه الله و غفر له.و أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادثة التي تحضرني و متعلقة بهذه المسألة المهمة من مسائل الدين و هي الرجوع لأهل العلم و قعت في زمن الإمام أحمد
بن حنبل رحمه الله و غفر له. روى الخلاّل في كتابه السنّة و رواها غيره ، مشهورة ، تبين لك بجلاء ما عليه أهل السنة و الجماعة .
في زمن الإمام أحمد تسلّط الخليفة المأمون و المعتصم على أهل السنّة خاصة المعتصم رحمه الله و غفر له فإنه قد اعتنق عقيدة تخالف عقيدة أهل السنة و الجماعة فيما يتعلق بالأسماء و الصفات. و أراد أن يُجبر أهل السنة على ذلك.
فكان يجلد و يسجن و يهدّد و يتوعد ثم أمر بإحضار الإمام أحمد ، قالوا له ( ما بقي إلا أحمد ابن حنبل إن أطاعك أطاعك الناس ) فجيئ بالإمام أحمد إلى مجلس الخليفة المعتصم .و قد حضر القوات و الأمراء و وجهاء البلد في مجلس عظيم.
فوُفّق الإمام أحمد و السيوف قد رُفِعت و الجلاّد قد حضر ، فقال له الخليفة ( يا أحمد أطعني و أجعلك من حاشيتي )
قال ( يا أمير المؤمنين ائتوا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله ) فأمر الخليف المعتصم من عنده من علماء المعتزلة ( ابن أبي دؤاد رأس الفتنة و من معه ) فناظروا الإمام أحمد ثلاثة أيام ، يقول بعض من حضر ( و الله ما رأينا مثل احمد ابن حنبل، لم يتلعثم و كان لا يعرف مجالس الملوك ) لكن الله ثبّته فخاصمهم في هذه الأيام الثلاثة. فعند ذلك غضب الخليفة غضبا شديدا و ابن أبي دؤاد يقول له ( يا أمير المؤمنين أقتله و دمه في رقبتي أقتله ).
فأمر الخليفة المعتصم بجلد الإمام أحمد. ( يا أحمد أطعني حتى لا يُسفك دمك ). فهذا الإمام أحمد رحمه الله.
لما جاء بعض الناس قالوا له ( يا أحمد أطعه ) بمعنى أنك تتأول كما تأوّل غيرك فكانوا إذا أُخبروا يقولون كما يريد الخليفة المعتصم. كان يريد منهم أن يقرّوا بأن الله لم يتكلّم بالقرآن، و نحن أهل السنة نعتقد أن القرآن كلام الله و أن الله تكلّم به ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، (يريدون أن يبدلّوا كلام الله ) فكانوا يقولون من باب التخلص منه ( القرآن و الإنجيل و الزبور و التوراة كل هذه مخلوقة ) و يعني بها أصابعه.
الإمام أحمد لما قال له رجل قل مثلهم قال ( أخرج و انظر ). فخرج الرجل فإذا الناس قد اجتمعوا بايديهم الأقلام و معهم الصحف يكتبون ما يقول الإمام أحمد و يعتقدونه. قال أحمد ( أُظل هؤلاء. أقتل نفسي و لا أُظل هؤلاء )
أمر الخليفة المعتصم عند ذلك بجلد الإمام أحمد فجُلِد الإمام أحمد رحمه الله و الخليفة يقول للجلاّد ( أَوجِع قطع الله يدك ).
يقول ( ضربته ضربا لو وقع على جمل لهلك ) و سقط الإمام أحمد رحمه الله و قد أغمي عليه و وضعوا عليه حسيرا و داسوه بأقدامهم ثم حُمِل إلى السجن. مكث في السجن ما شاء الله ثم أُخرِج من السجن و نهاه الخليفة أن يحدّث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فامتثل الإمام أحمد . توفي الخليفة المعتصم و تولّى بعد الواثق فكان أشد من الخليفة المعتصم. كان يقتل على هذه الفتنة. يقتل من لم يجبه. عظمت الفتنة و البلاء و الكرب على أهل السنة. في ليلة من الليالي وقع ما لم يكن في الحسبان. أمر عظيم لولا لأن الله سلّم لكانت مذبحة عظيمة لأهل السنة يتحدث بها أهل التاريخ إلى يومنا هذا.
من الذي جرى ؟
طُرِقَ باب الإمام أحمد رحمه الله ففتح الباب في تلك الليلة. فدخل عليه فقهاء بغداد و أناس من أهل الغيرة على الدّين و من أهل الصلاح. دخلوا عند أحمد و تكلّموا فذكروا ظلم الخليفة الواثق و ما ابتدعه في هذه الفتنة و كيف أنه يعلّم الصبيان في المسجد هذه العقيدة الباطلة و كيف أنه يقتل أهل السنة و يؤذيهم و يسجنهم و يجلدهم و فعل و فعل و فعل.
و الإمام أحمد واحد ممن أوذوا. ثم قالوا بعد ذلك كلّه ( و لا نرضى بلإمارته و لا سلطانه )
يعني يريدون فتيا من الإمام أحمد. لماذا ؟ للخروج على الخليفة الواثق. حمل السلاح و يفدون العقيدة بدمائهم كما يقول بعض الناس.
ماذا كان جواب الإمام أحمد ؟ جواب عظيم يُكتب بماء الذهب و إن كان لا يجوز ذلك.
تكلّم بكلمات إِحفظوها ، تبيّن منهجكم يا أهل السنة في هذه الأمور العظيمة و هذه القضايا المهمة حتى لا يُغرّر بنا
و حتى لا يحصل التلبيس لعوام المسلمين فتقع الفتن في بلاد الإسلام و تُسفك الدّماء و تحدث الفوضى و يتقاتل الرّعية مع الرّاعي و يذهب الخير من بلاد المسلمين. كله بسبب أناس يُفتون و ليسوا أهل للفتيا. و لا ينظرون في مصالح المسلمين و لا في سنة رسول الله. ما جواب أحمد ؟
قال أحمد ( عليكم بالإنكار في قلوبكم و لا تخلعوا يدا من طاعة لا تشقّوا عصا المسلمين و لا تسفكوا دمائكم و دماء المسلمين معكم و انظروا في عاقبة أمركم و اصبروا حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر ) و قال ( لا أرى هذا صوابا هذا خلاف الآثار ).
الإمام أحمد ماجاء بهذا من عنده. جاء به من آثار النبي. يقول النبي كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن طريق حذيفة ( تسمع و تطيع للأمير و إن جلد ظهرك و أخذ مالك ) هذه عقيدتنا يا أهل الإسلام. و لذلك إذا حصلت المخالفة لها رأيت سفك الدّماء و ذهب الخير من بلاد الإسلام. و اتعضوا بما يجري في كثير من بلاد الإسلام.
نرجع إلى سيرته صلى الله عليه وسلم . قام النبي يدعوا في رجال مكة ليلا و نهارا سرا و جهارا. آمن به من آمن و كفر به من كفر. ممن كفر به رجل أسدى معروفا عظيما لرسول الله. كان هذا الرّجل يُقدّم ما يقدر عليه لرسول الله من النفقة و من دفع الأذى و من كف الشّر عنه و من حمل السّلاح دفاعا عنه. إنه عمّه أبو طالب. لما توفّي جدّه عبد المطلّب كفله عمّه أبو طالب و كان يقول لقد شُغِفت بحب محمد حميّة و قبَلِيّة.
فلمّا بُعِث النبي أراده الناس بسوء فردّهم ابو طالب. فكانوا يهابونه و يخافون منه. و كان على دين قومه و يثني على النبي.
كان يقول الأشعار العظيمة منها لاميته التي ذكرها ابن كثير في تاريخه في الدفاع عن الرسول لمّا رأى القبائل قد تمالوا عليه.
يقول نفديه بأنفسنا. يفدي النبي صلى الله عليه وسلم .
لمّا كُتِبَت الصحيفة الجائرة في مقاطعة النبي و أهل بيته احتموا بأبي طالب فكان معهم ابو طالب. و كان الناس إذا أرادوا النّوم يأمر النبي أن ينام في مكان. فإذا أظلمت، أَمَرَهُ أن ينتقل إلى فراش آخر، و جعل أحد بنيه في ذلك الفراش خوفا من أن يُغتال رسول الله.
عجب أمر هذا الرّجل لكنه أبى أن يُسلم.
فلما حضره الأجل عاده النبي عسى أن يسلم و يُختَم له بخير.
( يا عمّي قل لا إله إلا الله ) شفقته صلى الله عليه وسلم و رحمته. كان يحب إسلام هذا الرجل- عمّه- صهر أبيه.
( يا عمّي قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله) و كان عنده رفيق السوء أبو جهل. قال ( يا أبا طالب أتترك ملّة عبد المطلب ؟ ) - تترك ما عليه الآباء و الأجداد أسلافنا-
فأعاد عليه النبي و ةأعاد عليه أبو جهل. فكان قول أبي طالب أن قال هو على ملّة عبد المطّلب. و أبى أن يقول ( لا إله إلا الله ). فمات مشركا خالدا مخلّدا في جهنّم. سُئِل النبي عن عمّه أبي طالب ( و ما أسداه إليه من معروف هل ينفعه ذلك ؟ ) فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يشفع له عند ربه ( فيُجعل في النار فيغلي منه دماغه. ما يرى أن أحدا من أهل النار أشد عذابا منه و إنه لأهون أهل النّار عذابا ). نعوذ بالله من نار جهنّم.
هذه الحادثة على وجازتها فيها فوائد.
فيها بيان منهج النبي في الدعوة إلى الله. إلى أي شيء دعاه ؟ ( يا عمّي قل لا إله إلا الله ) لما جمعهم النبي ( يا بني فلان يا بني فلان ) اجتمعوا . ماذا كان يقول لهم ؟ ( قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا ).
هذا في أول الأمر. في أوسطه أيضا ، في آخره، عند موته صلى الله عليه وسلم كان يدعوا إلى توحيد رب العالمين.
( لعنة الله على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذّر مما صنعوا ). هذه دعوة النبي.
أصلها و أساسها توحيد رب العالمين. ( و لقد بعثنا من كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت )
و لذلك أي دعوة تقوم اليوم لا تعتني ببيان التوحيد تفصيلا مسألة مسألة و بيان الشرك تفصيلا ، لا أن يأتي و يقول ( اتقوا الله و اجتنبوا الشرك ) لكن ما المراد بالشرك ؟ يبيّنه مسألة مسألة.
يقول حذيفة كان الناس يسألون النبي عن الخير و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
كان النبي يبيّن التوحيد و يحّر من الشرك.
كل دعوة لا تقوم على توحيد رب العالمين فمآلها إلى الزّوال. و قد تفسد أكثر مما تصلح. لأنها خالفت منهج الأنبياء و الرّسل صلوات الله و سلامه عليهم.
فيها أيضا فائدة مهمة جدا و هي أن الهداية بيد الله تبارك و تعالى و أن الأمر ليس لرسول الله و لا لأحد. ( ليس لك من الأمر شيء ). نزل في أبي طالب ( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين ).
لما أراد النبي أن يستغفر له نهاه الله و أنزل ( ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغروا للمشركين و لو كانوا أولي القربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ).
قد يسأل سائل و يقول لكن إبراهيم قال لأبيه ( لأستغفرّن لك ) فقال الله ( و ما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرّأ منه).
مما جرى لرسول الله في سيرته العطرة حادثة من أعجب ما جرى له صلى الله عليه وسلم . لأن النفوس جرى لها ما جرى من الغيظ و الحنق و الهم و الكرب فأصيب أصحاب النبي في تلك الحادثة بأمر عظيم.
هاجر النبي و أصحابه إلى المدينة و تركوا مكّة. تركها النبي و قد وُلِد فيها و هو ابن عبد المطلب ، سيد ولد آدم. لكنهم آذوه ( و كأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك فأهلكناهم فلا ناصر لهم ).
كان النبي يقول ( و الله إنك لخير أرض الله و أحب أرض الله إلى الله و لو لا أني أُخرِجت منك ما خرجت.)
لكنه أُخرِج و اختار الله له طيبة. هاجر من معه من المؤمنين و فارقوا ذلك البلد الذي تهوي النفوس إليه و تشتاق ، استجابة لدعوة الله و لدعوة الخليل ابراهيم عليه السلام.
بعد ست سنوات من الفراق عزم النبي على العمرة. مع ما بينه و بين قريش من العداوة و الحرب. لكنه عزم على أن يعتمر و يدخل على عدوّه. فخرج النبي في ألف و 400 من أصحابه. أحرموا بتلبية و ذكر لله حتى اقتربوا من مكة. علمت قريش بقدومه صلى الله عليه وسلم فأخذتهم الحميّة حميّة الجاهلية و قالوا ( و الله لا يدخل علينا محمدا مكة و لا يتحدث العرب أنه دخل علينا بالقوة ) و عزموا على منعه صلى الله عليه وسلم و مقاتلته. فلما اقترب النبي من مكة بركت ناقته - -القصواء- فقال الناس خلئت القصواء أي ساء خلقها. فقالا النبي (ما خلئت القصواء ) . دافع عنها !!
الدفاع عن من لم يُعهد منه شر و لو كان بهيمة. قال (ما خلئت القصواء و ما ذاك لها بخلق و لكن حبسها حابس الفيل.
و الله لا يسئلوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها أو كما قال صلى الله عليه وسلم )
فقام هناك و معه البُدن فانحدر عليهم ثمانون من مشركي قريش فأخذهم الصحابة و أسروهم.فجيء بهم إلى رسول الله. قال ( هل أرسلكم أحد ؟ ) قالوا لا. ( هل أنتم في عهد أحد؟ ) قالوا لا. فأطلقهم النبي لأنه ما يريد القتال. كما قال الله ( هو الذي كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم )
فتردّدت الرّسل بين يدي الرسول و كفّار قريش. يأتون و يخبرهم النبي أنه ما جاء لقتال. جاء ليعتمر. حتى أرسلت قريش رجلا فقال النبي هذا من قوم يعظّمون البدن فبعثوها و قد قُلّدت فقال ما ينبغي لهؤلاء أن يُحبسوا عن البلد الحرام. ما كان أحد يُصد عن البلد الحرام. لماذا تصدّ قريش الناس عن البلد الحرام.
هذا ما يسمى في زماننا أسلوب الضغط. فحصل في مكة من الكلام و القيل و القال ما الله به عليم. و اختلف الملأ من قريش. نردّه أو لا نردّه و الناس يتكلّمون فعند ذلك أرسلوا رجلا يقال له سُهَيل بن عمر. فلما رآه النبي- روي و الله أعلم بصحته - أن النبي قال قد سَهُلَ لكم من أمركم و للشيخ الألباني رحمه الله كلام على هذه الزيادة.
فقال (يا محمد هات اكتب بيننا و بينك كتابا). يعني يريد أن يعقد مع النبي صلحا. و كان النبي هو الذي طلب عد الصلح.
فإنه قال لهم أولا ( إن شاؤوا مددتهم مدّة ) يكون بيني و بينهم عهد صلح أو اتفاقية كما يسمونه في زماننا.
فجاء سهيل بن عمر فقال (يا محمد هات اكتب بيننا و بينك كتابا).
فبدأ علي يكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل ( أنا لا أعرف الرحمن و لكن اكتب بسمك اللهم ) فقال النبي ( أكتب بسمك اللهم ). قال هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قريشا. قال سهيل ( و الله لو نعلم أنك رسول الله لما قتلناك
و لكن أكتب اسمك و اسم أبيك ). قال علي ( و الله لن أكتبها إلا محمد رسول الله ) قال سهيل ( لا تكتب الا اسمك و اسم أبيك و لا تكتب رسول الله) أبى فقال النبي ( أكتب محمد بن عبد الله ).
قال ( على أن تخلوا بيننا و بين البلد الحرام نعتمر ). قال ( ليس في هذا العام و إنما في القابل ) تأتي السنة المقبلة أما هذه السنة ما تدخل علينا مكة. فرضي النبي. أنظر إلى هذه الشروط. لو كنت بينهم يا عبد الله و انت تنظر إلى رسول الله ، عندك أحاديث النبي و هو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. و في نفسك ما في نفسك. تقدّم ماذا ؟ العق أو النقل ؟ نقدّم أحاديث النبي -المنقولة إلينا- على عقولنا. قال ( و على أن نضع الحرب 10 سنين ) قال سهيل ( على أن من جاءك منّا مسلما تردّه إلينا و من أتانا منك مرتدّا نؤويه ) فرضي النبي. فتحدّث الناس. قالوا كيف يُردّ إلى المشركين و قد جاء مسلما و الناس يريدون العمرة. أنت الآن تصوّر حالك يا أخي و أنت قد ترددت على مكة مرات و مرات. لو قدر الله أنك ذهبت إلى الحج و منعت من دخول مكة ، ماذا يحصل في نفسك ؟ كيف و قد ردّ النبي أناس مشركون قد استولوا على مكة و نصبوا على الكعبة حوالي 360 صنما. قدّر الله أيضا في هذه الحال و الناس في الغيظ و الحنق الشديد ، وقع أمر عجيب. أقبل رجل يرصف من قيوده قد انفلت من مكة فرما بنفسه بين أظهر المسلمين. من ؟ أبو جندل ابن سهيل ابن عمر سفير قريش في كتابة صلح الحديبية. مسلم آذوه و عذبوه فلما علم بقدوم النبي انفلت منهم. فرح المسلمون بقدومه. فقال سهيل ( يا محمد هذا أول ما نراضيك عنه أن تردّه إلينا ) قال النبي ( إننا لم نقض الكتاب بعد ) يعني ما تم الصلح بعد. قال ( إذن ما بايعناك ) قال ( أجزه لي ) قال ( ما أنا بمجيزه ) فأمر النبي أن يُردّ أبو جندل إلى المشركين. فقال الناس يرد إلى المشركين و قد جاء مسلما و هو يقول ( يا معشر المؤمنين ألا ترون ما حلى بي ) و كان قد أوذي في الله. أردّ إلى المشركين و قد جئت مسلما. فأخذه سهير يجرّه و المشركين يجرونه و ذهبوا به و المؤمنون ينظرون إليه. و لله الأمر من قبل و من بعد.
الله حكيم عليم. إنقضى هذا الصلح بما فيه من شروط مؤلمة و ذهب سهيل بن عمر. أمرهم النبي أن يحلقوا و ينحروا.
فلم يجبه أحد فدخل على أم سلمة رضي الله عنها. قالت ( من أغضبك يا رسول الله ؟). قال ( ألا ترين أني آمر بأمر فلا أطاع ) فقالت ( يا رسول الله بالناس ما بهم من الهمخ و الغم فاخرج إليهم و لا تحدّث أحدا و امر أن يؤتى بالحالق واحلق رأسك ) فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم و حُلِقَ رأسه صلى الله عليه وسلم فعلم الناس أن الأمر قد قُضِي و أنه قد حيل بينهم و بين البلد الحرام في ذلك العام. فحلق الناس بعضهم بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا من الهم و الغم. و رجع النبي و أنزل الله عليه البشارة. نزلت سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك م ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطا مستقيما) هذه عاقبة الإستجابة لأمر الله عز وجل. فإن الله هو الذي أمره بذلك الصلح.
عمر رضي الله عنه جاء لأبي بكر و قال ( يا أبا بكر ألسنا على الحق و عدوّنا على الباطل؟. قال :نعم. قال: فلما نعطي الدنيّة في ديننا. قال: يا أيها الردل إنه رسول الله و إن الله لا يضيع رسوله فتمسّك بامره فإنه على الحق ). و كان قد جاء إلى رسول الله و قال ( يا رسول الله ألسنا على الحق و عدوّنا على الباطل؟. قال :نعم. قال: فلما نعطي الدنيّة في ديننا. قال: إني رسول الله و لست أعصي أوامره . قال : ألم تكن تحدّثنا أننا سنأتي البيت و نطوف به. قال: نعم. هل أخبرتك أنك تأتيه هذا العام - في هذه السنة؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه و مطوّف به. )
هذه الحادثة من سيرته فيها فوائد عدة و عديدة لو تأملنا في سيرته صلى الله عليه وسلم لطمأنّت النفوس و ذهب ما فيها من الأمور المخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم . هذه الحادثة تدل على سنة من سنن رسول الله للمسلمين. إذا حصل فيهم ضعف و عدم قدرة على مقاومة عدوهم ، ( لله الأمر من قبل و من بعد ) ، ( و تلك الأيام نداولها بين الناس ) و من رحمة الله أنه ما أنزل أهل الإسلام للقتال في كل حال بل فتح لهم بابا. و هذا يدل على يسر الشريعة الإسلامية ( و إن جنحوا للسلم فاجنح لها ) إذا دعوك إلى الصّلح فاستجب، بل لك أن تدعوهم أنت إلى الصلح كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله. يقول ( إذا كنت في قوة فلك أن تفاتل و إذا كنت في حال ضعف فلك أن تعرض الصلح كما عرضه النبي ).
بالله عليكم هذا الذي جرى من رسول الله لو جرى من أحد من حكام المسلمين اليوم، رأى بلده في حال ضعف و عدم قدرة على مقاتلة العدو و عقد صلحا بينه و بين المشركين أو اليهود أو النصارى. من الذي سيحصل من الجهلة و ممن يثيرون الفوضى و الفتن في بلاد المسلمين ؟ سيتكلمون و يقولون أو لا هذا موالٍ للمشركين. هذا موال للكفار. هذا خائن للأمانة و هو إنما فعل ذلك حماية لبيضة المسلمين و حفاضا على بلاد المسلمين و خوفا من أن تنتهك هذه البلاد. كما فعل النبي ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر ) .
لا نقدّم العقل على النقل. قد يقول بعض الناس كيف نصالحهم و قد استولوا على بلاد المسلمين و يشرطون علينا الشروط المؤلمة و يريدون أن يأخذوا حقّنا و قد استولوا على مسجدنا. فيقال أأنت خير من رسول الله؟
النبي رضي بتلك الشروط المؤلمة لعدم القدرة على مقاتلته و هو صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي و متوكل على الله و يعلم أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله. لكن لا طاقة لهم في ذلك اليوم بقتال عدوّهم و مع ذلك صالحهم على تلك الشروط المؤلمة و ما فيها من الضير على أهل الإسلام رجاء العاقبة الحميدة. و كانوا قد استولوا على البلد الحرام.
فمن خير من رسول الله ؟!!
يا معاشر المؤمنين هذه الحادثة تدل على أنه لابد أن نراجع ما طُرِحَ على المسلمين خلال سنوات عدّة من أمور و مسائل متعلقة بالجهاد في سبيل الله ، متعلقة بمعاملة الكفّار ، متعلقة بمقاتلتهم ، متعلقة بالتحرّش بهم و أهل الإسلام لاطاقة لهم و لا قدرة على قتال عدوّهم ، و الواقع يشهد بذلك.
أليس لنا أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلى و الله!! العقل العقل !! الحلم الحلم يا عاشر المؤمنين !!
حتى لا تُنتَهَك بلاد الإسلام.
ها هو النبي في آخر حياته يموت و درعه مرهونة عند يهودي. إشترى عنده شيء من الطعام.
هل يجوز لك أن تشتري من يهودي طعاما ؟ لكنه يسب الله و يسب الرسول !! يجوز أن تشتري منه ؟
نعم يجوز. النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه و هو يعلم أنه يسبون الله بل أرادوا قتله فدلبّ ذلك على أن مسائل الأكل و الشرب و الشراء من المشركين و مما يبيعونه لا علاقة له بالولاء و البراء.
الذي يأكل أو لا يأكل كلاهما سواء. لا يأتي أحد و يقول الذي يأكل من منتجاتهم ضعيف المحبة لرسول الله. إذا كنت تحب النبي إياك أن تشتري مما يجلبونه إلى بلاد المسلمين و مما يبيعونه و ينتجونه. يا معاشر المؤمنين لماذا نشغل أنفسنا بهذه
المسائل و نحن بحاجة إلى ما ينتجونه و ما يصدرونه لبلادنا.
و هل يمكن أن نظبط ذلك ؟ الصحابة كانت بعض منتجات بلاد الكفار في بلادهم. كانوا يأكلون من طعام الكفار ( و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم ) فلماذا نشغل المسلمين في شرق البلاد الإسلامية و غربها بمسائل الأكل و الشرب و ما يتعلق بها و نغفل عن مسألة مهمة يتحقق بها النصر على الكفّار. ما هي ؟
تصحيح العقيدة كما تقدّم أولا. أن نعتني بتصحيح عقائد المسلمين و التحذير من البدع و الشّركيات.
من الواقف في سيرته صلى الله عليه وسلم موقف جرى لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه و أرضاه.
عبد الله بن مسعود أوذي في الله و كان يحدّث أيضا بما جرى لرسول الله. لأننا نعاني الآن من الإستعجال ( و لكنكم تستعجلون ). فيستعجل المسلمون النصر و يتسخطون ، بعض المسلمين. و قد يحصل لهؤلاء المتساهلين شيء من الشك و الريب بوعد الله و نصره لهذا الدين ، فليتأمل في حال السابقين الأولين.
يقول عبد الله ابن مسعود كان النبي يصلّي عند الكعبة و نفر من صناديد قريش ينظرون إليه.
فقال بعضهم لبعض أيكم يذهب فيأتي بزبالة بني فلان فيضعها على ظهر محمد إذا سجد.
فذهب أشقى القوم و هو عقبة بن أبي معيظ و جاء بفضلات جزول بعد نحرها. و يقال أنها كالمشيمة للمرأة و وضعها على ظهر النبي و هو ساجد ، فجاءت فاطمة فأبعدتها عن ظهره و سبّتهم. فلما فرغ من صلاته رفع يديه و دعا الله ففزعوا و خافوا لأنهم يرون أن الدعوة مستجابة عند البيت الحرام فقال صلى الله عليه وسلم ( اللهم عليك بفلان و فلان و فلان ) سمّاهم النبي. يقول عبد الله بن مسعود ( فلقد رأيت أولائك قتلى يوم بدر ) استجاب الله دعوة النبي.
هذه الحادثة فيها فائدة و هي:
أن نصرة المسلم لأخيه المسلم لها شروط و ضوابط.
ابن مسعود هل نصر النبي ؟ لا ما استطاع ، حتى إنه ما استطاع أن يبعد الأذى عن ظهره صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءت فاطمة و أبعدته عن ظهره. هل يُلام ابن مسعود على ذلك ؟ لا. ( لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها ) ( إلا ما أتاها )
فأخذ العلماء من هذا فائدة و هي أن نصرة المسلم لأخيه المسلم لها شروط منها:
أولا القدرة. فإذا لم يكن بالمسلمين قدرة على نصرة إخوانهم فإن الله لا يعاقبهم على ذلك.
ثانيا: هناك أمور تمنعك من النصرة منها أن يكون بين بلدك و ذلك البلد الكافر عهد و ميثاق. ما معنى هذا الكلام ؟
نسمع من يخرج علينا في القنوات و في غيرها إذا حصل للمسلمين أمر من الأمور أو حادث فيحرّض الناس و يهيّج الناس و يقول لا تلتفتوا لحكماتكم و لا لولاة أمركم في نصرة إخوانكم المسلمين ، أنصروا إخوانكم أخرجوا لالجهاد و افعلوا و افعلوا. هل هذا الكلام صحيح ؟ يستدلّون بآية ، يقولون ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )
قل له يا أخي أكمل الآية ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم و بينهم ميثاق )
يعني إذا كان بين دولتك و تلك الدولة الكافرة التي تقاتل المسلمين عهد و ميثاق فلا يجوز لك أن تشارك لأن العهد الذي عقدته دولتك يلزم جميع الرّعيّة. هل فعل ذلك النبي و الصحابة ؟ نعم فعلوه. خذ هذه الحادثة. لما عُقِد صلح الحديبية على وضع القتال عشر سنين، انفلت أبو جندل مرة ثانية و انفلت معه أناس ( أبو بصير و غيره ) و لم يهاجروا إلى المدينة لعلمهم أن النبي سيردهم إلى كفار قريش ( وفاءا بالعهد ) فذهبوا إلى سيف البحر و صاروا يعترضون قوافل قريش ، كلما جاءت قافلة اعترضوا لها ( قتلوا من قتلوا و أخذوا أموالهم ) فكانوا في حرب مع قريش و في عداء و قد آُذوا و ظُلِموا و عُذِّبُوا. السؤال: هل خرج أحد من المدينة لنصرتهم ؟ لا.
لو خرج أحد من المدينة لجاءت قريش للمدينة و قالت يا محمد قد نقضتم العهد !!
فانظروا إلى خطورة هذا الأمر على بلاد المسلمين. إذا خرج نفر من شبابنا و قاتلوا في بلد من البلدان بيننا و بينهم عهد و ميثاق ضرروا على الأمة بأكملها. ضرروا على ذلك البلد كلّه و يعدّونه نقضا للعهد. لماذا غاز النبي قريشا بعد صلح الحديبية بسنتين ؟ من يجيب ؟
هم نقضوا العهد. شارك أناس من قريش في قتل رجال دخلوا في حلف النبي. كانوا ضمن عهد النبي و معه. فلما شاركت قريش أو نفر منهم في قتلهم عدّ النبي ذلك نقضا للصلح و غزاهم بعشرة آلاف و غلبهم و فتح مكة.
فانتبهوا بارك الله فيكم لهذه المسألة المهمة. هذه المسائل و هذه القضايا التي تعرض لنا في حياتنا حَلُّها في سيرته صلى الله عليه وسلم .
كان صلى الله عليه وسلم يعمل بالقرآن كما تقول عائشة رضي الله عنها، فما في كتاب الله تراه في سيرته و هذا أيضا يدل على أن السيرة النبوية لا تُذكر في مجالسنا من أجل ذكر القصة فقط. لا. تُذكر لاستنباط الأحكام و الفوائد و الرقائق و المواعظ منها.
من أحداث السيرة النبوية غزوة. هذه الغزوة قُتِل فيها سبعون من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم و أرضاهم.
كان النبي يريد البقاء في المدينة لكن بعض الصحابة ممن لم يشهد بدر كانوا يريدون الخروج لقتال قريش.
فلبس النبي لباس الحرب. قالوا لعلّنا أكرهناك يا رسول الله فقال ( ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها ) فخرج النبي للقتال.
فالسيرة النبوية علم جليل يعتني به أهل العلم و أفردوه بالتصنيف. فالّف فيه الإمام إسحاق و ألّف فيه غيره من أهل العلم.
و من أحسن من كتب في السيرة النبوية الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية و النهاية فإنه استوفى الكلام على سيرته بذكر الآحاديث و الترجيح في المسائل و ذكر ما تيسر من...
و في زماننا أيضا كتابات كثيرة في السيرة النبوية و منها قطوف جامعية ...فيها فوائد و لله الحمد و المنة.
لكن ننتبه. السيرة النبوية كتب فيها كثيرون ، من الناس من يكتب في السيرة من أجل خدمة منهجه الذي يسير عليه و هو مخالف لما عليه أهل السنة و الجماعة.
فلا بد أن تعرف أولا أن هذا المؤلف من العلماء . ثانيا أن يكون متجردا للحق ، ما ألّف هذا الكتاب من أجل أن يلوي أعناق النصوص و أحداث السيرة في توافق هواه. فيُنتبه لهذا. الكتابات في السيرة كثيرة و عليك أن ترجع لكتب أهل العلم الموثوقة مما كُتِب في هذا الشأن و هو جيّد .
كتاب السيرة النبوية الصحيحة لِأَكرَم العُمَرِي هذا كتاب جيد و من أحسن ما أُلِّف في زماننا.
أختم بنصيحة لنفسي و لإخواني : نحن في زمن كثرت فيه الفتن و كثرت فيه الشهوات و الشبهات التي تُعرض على الناس
فلابد أن نتواصى بالحق و نتواصى بالصبر ( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر )
الناس في شرقها و غربها يتشوّقون إلى دعواتكم يا أهل السّنة كما كانوا في الجاهلية يتشوقون لمبعث النبي الخاتم.
الناس إذا بلغتهم هذه الدعوة التي هي الدّين الصافي الذي جاء به النبي يفرحون أشد الفرح، يبكي أحدهم إذا علم ذلك و كيف أنه عاش سنين طويلة و هو جاهل بهذا الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة.
فما واجبنا نحن ؟
يتلخّص في أمور.
منها أولا: التراحم فيما بيننا. أن يحصل التراحم بين الإخوان( أهل السنة ). و أن يعلموا أنهم ولله الحمد و المنة على الحق و على الهدى فليحصل بينهم ذلك كما كان بين أصحاب النبي. أثنى الله على الصحابة بقوله ( رحماء بينهم ) ، ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين ) فيهم ذلّة لإخوانهم المؤمنين ، و هذا عزّ لك أيها المؤمن. فيرحمه و يشفق عليه.
يقول بعض السلف ( إذا سمعت برجل من أهل السنة في المشرق أو في المغرب فابعث إليه بالسلام ، ما أقلّ أهل السنة )
إذا حصل من أخيك خطأ، زلل أو نقص فينبغي أن تعفو عنه و تصفح و تستر عليه لا أن تشهّر به و لا أن تشمت به و لتعلم أنه مع كثرة الشبهات في زماننا يحصل الجهل بالمسائل مما يتعلّق بالمسائل الحادثة عند الناس و بهذه الأمور التي حصلت و الأفكار و المناهج الجديدة فعليك أن تكون معلّما لا أن تكون معنّتا و لا متعنتا. عليك أن تبين الحق للناس. و من لم يستجب اليوم يستجيب بعد يومين، بعد سنة. المقصود أنك تبين الحق و قد يحصل من إخوانك جهل. يحصل الجهل. نرى إخواننا من أهل السنة يحصل من بعضهم الجهل في بعض المسائل ، ما تبينت له و ما تضح له الأمر. فلا ينبغي أن يُهجر أو يعنّت عليه بل ينبغي أن يُدلّ على الحق و يبين له و سيرجع بإذن الله. هذا أمر مهم جدا. أن يكون عندنا رحمة. شيخ الإسلام ابن تيمية و هو يتكلّم عن أناس من أهل الضلال و الإ
أهل السنة- عدد المساهمات : 78
نقاط : 308
تاريخ التسجيل : 24/07/2009
مواضيع مماثلة
» تحميل اجمل كتب السيرة
» العقائد الاسلامية من الايات القرآنية والسنة النبوية-لشيخ عبد الحميد رحمه الله-
» العقائد الاسلامية من الايات القرآنية والسنة النبوية-لشيخ عبد الحميد رحمه الله-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى